المحاضرة السابعة
العلاقات العثمانية الصفوية
( 1501 – 1736 م )
قامت
الدولة الصفوية في المنطقة المعروفة بالهضبة الإيرانية ( عام 1501 م ) وكان
المؤسس الأول لهذه الدولة هو "الشاه إسماعيل" الصفوي الذي ما إن سيطر على
الأراضي الإيرانية ، حتى أخذ يمد بصره للاستيلاء على المناطق الاستراتيجية
في الهضبة الأناضولية وكذلك على " العراق" .
فكان
من النتائج التي ترتبت عن التوسعات الصفوية أن سيطر الشاه "إسماعيل" على"
ديار بكر"(سنة 1507م) وبالتالي تقوى أنصارالشاه في الأناضول وشرقه وعلى
التخوم الشمالية لبلاد الشام ، واكتسحوا ولاية" تكة" في الأناضول وصولاً
إلى" توقات" بقيادة " نور بن حسن خليفة" الملقب بـ" شاه قولي"
وأخذت
الدولة العثمانية منذ تلك اللحظة تنظرإلى التحركات الصفوية بعين
الريبة،وذلك إبان عهد"بايزيد الثاني"الذي اكتفى أن جرد حملة رمتهم خارج
حدود الأناضول و وضعت حدً لـ" شاه قولي"(1511م ).
وفي غمرة الأحداث دبّ الخلاف بين أبناء السلطان " بايزيد الثاني" ، ثم حسم في نهاية المطاف لصالح " سليم خان" ليتربع على عرش السلطنة ( سنة 1512 م ) .
هذا
السلطان الذي أخذ ينظر إلى التحركات الصفوية نظرة واعية إذ وجد من خلال
توسعات هذه الدولة الخطر المحدق على دولة آبائه و أجداده خصوصاً حين رأى
بأم عينه كيف تستهدف السيطرة الصفوية الأقاليم ذات المواقع الاستراتيجية
فأحصى بواسطة جواسيسه من يدين بالمذهب الصفوي ( الشيعي ) و أبادهم عن بكرة أبيهم .
وهذا
ما جعله يعد العدة لاستئصال هذه الدولة من أساسها إذ لم تكن ثمّة أسباب
مباشرة لتحركه ، وإبان تحركه صوب الشرق ، أرسل رسالة إلى " عبيد الله خان
الأوزبك" يعلمه من خلالها عن نواياه في التحرك صوب إيران ويوصيه أن
يهاجم"خرسان" حالما يسمع أن الجيش العثماني قد اجتاح غرب إيران وما أن وصل
السلطان بجيشه إلى مدينة" يني شهر" قبض جنود العثمانيين على جاسوس صفوي
فحملوه إلى السلطان"سليم "الذي حمله بدوره رسالة إلى" الشاه إسماعيل " ضمت
في حيثياتها إعلان الحرب .
وحين
وصل إلى مشارف" قيصريه" بعث برسوله إلى"علاء الدولة" حاكم إمارة "ذلقادر"
في"مرعش" و" ألبستان" طالباً منه المساهمة في الحرب ضد الصفويين ، لكن "
علاء الدولة" تخلّق الأعذار متعللاً بكبر سنه و بمرجعيته المملوكية الأمر
الذي جعل السلطان"سليم" يرسل إلى السلطان" قانصوه الغوري" رسالة يخبره فيها
ما فعله " علاء الدولة" ، فردّ " قانصوه الغوري" على السلطان " سليم"
بكتابٍ جاء فيه أن"علاء الدولة" عاصٍ فإن ظفرت به فأقتله( وهو جد سليم
الأول) وفي الوقت ذاته أرسل"قانصوه" إلى " علاء الدولة" كتاباً يشكره فيه
على فعلته و يغريه على الاستمرار بتصلبه تجاه العثمانيين .
وإبان مسير القوات العثمانية صوب الشرق أرسل السلطان " سليم" إلى الشاه رسالتين :
حمّل الأولى مضامين تهديدية وهدايا تخص الدراويش كالعصا والخرقة للاستهزاء بالشاه ،وأخبره في الثانية أنه ترك ( 40 ) ألف من جنده في الأناضول إظهاراً لقوته و عزمه على متابعة السر لملاقاته .
وعلى الحدود بين الهضبتين الأناضولية و الإيرانية مثّل مبعوث الشاه بين يدي السلطان " سليم" و بيده علبة مملوءة بالأفيون .
فرد
السلطان " سليم" على الشاه برسالة أعلن فيها الحرب بشكل رسمي أرفقها
بمجموعة من الألبسة النسائية و العطور و أدوات الزينة استهزاء بشخص الشاه و
تقاعسه عن السير صوب الغرب متجهاً إليه.
وكذلك أرسل السلطان" سليم" برسالتين إحداهما إلى" عبيد الله خان الأوزبك " و رسالة أخرى إلى
" الغوري" يخبره فيها أن الدولة الصفوية أصبحت قاب قوسين أو أدنى .
وفي الوقت ذاته وصل مبعوث الشاه إلى السلطان وسلمه رسالة يستجيب لدعوة الحرب في"جالديران".
وفي
صبيحة يوم الأربعاء( 12 رجب 920 هـ / 23 آب 1514 م ) كان الطرفان قد أعدا
العدة للحرب وبعد معركة حامية الوطيس انكسر الجيش الصفوي ، ولاذ "الشاه
إسماعيل" صوب " تبريز" .
وبعد
أن وضعت الحرب أوزارها أرسل " الشاه إسماعيل" وفداً من حاشيته إلى السلطان ،
وحملّه الهدايا النفيسة وكلفه بعقد اتفاق صلح مع السلطان ، لكن السلطان
رفض ذلك .
والذي
جعل السلطان يرفض طلب الشاه هو ما وصل إلى أسماع السلطان"سليم" أن الشاه قد
أعلن الحداد العام حيث لبس هو و أتباعه الألبسة السوداء ، ونشر بين جنوده
كلمة القصاص كما سمى طفل ولد له بـ
" القصاص" كمشروع أولي يعد من خلاله أتباعه بخوض معركة انتقامية ضد العثمانيين
" القصاص" كمشروع أولي يعد من خلاله أتباعه بخوض معركة انتقامية ضد العثمانيين
وفي(سنة
1517م ) كانت بلاد الشام ومصر قد خلصت للعثمانيين ، وإبان استعدادات
السلطان " سليم" لترك القاهرة ، وصل وفد "الشاه إسماعيل" وقد له كتاب يطلب
الصلح لكن السلطان" سليم"إعتبر رسالة "الشاه" نوعاً من الخدعة، وعلق عليها
قائلاً:"هذه مخادعة من الصفوي حتى يثني عزمي عن ملاقاته ثم يطرقني على حين
غفلة كما فعلت أنا مع الغوري" وفي الفترة التي تلت سفرالسلطان من القاهرة
كانت منطقة شرق المتوسط قد هدأت من غليانها ثم ما لبث أن تسلم الحكم "
سليمان القانوني"(سنة1520م)
وفي ( سنة 1522 م ) زفت الأخبار باستيلاء
الجيش العثماني على جزيرة " رودوس" وكان مما وصل السلطان " سليمان" من
وفود" وفد الشاه الذي سلمه رسالة قدم من خلالها تعازيه بوفاة السلطان "
سليم" وتهانيه بمناسبة جلوسه على العرش ، كما قدم تهانيه لفتوحات السلطان
الأخيرة ، لكن السلطان رفض طلب الشاه في إقامة الصلح أيضاً
وبعد المساعي الدبلوماسية التي قام بها " الشاه إسماعيل " توفي ( عام 1524 م ) ليستلم من بعده ابنه
" طهماسب الأول" الذي لم يتجاوز عمره أحد عشر عاماً فدبت الفوضى في أرجاء الدولة الصفوية،
واستطاع
أحد الأمراء الصفويين أن يستولي على حكومة بغداد، ثم وضع نفسه تابعاً
للسلطان " سليمان" لكن الجيش الصفوي حزم أمره واستطاع استرداد العراق( عام1530 م) مما جعل السلطان القانوني يرى خطورة في الموقف على حدود دولته من جهة الشرق .
وفي
هذا الوقت بالذات وحينما تمّ الصلح مع "النمسا" (عام 1533م) التفت إلى
الشرق وأخذ يعد العدة لضم العراق إلى الدولة العثمانية فكان له ذلك(عام
1534م) بعد أن اصطدم بالجيش الصفوي آنذاك .
ثم أنه بعد فترة من الهدوء النسبي بين الدولتين ، قام الخلاف بين الشاه "طهماسب" وأخيه "القصاص" أو "القاص" مما جعل" القاص" يلجأ إلى السلطان" سليمان القانوني"، هنا وجد السلطان" سليمان" أن حكومة الدولة الصفوية قد أتت إليه بنفسها ، فدعم جيش "القاص ميرزا" وأمره بالعودة إلى إيران .
وكان من نتائج هذا الالتجاء أن وصل العثمانيون إلى المناطق التي كانوا يودون الوصول إليها، ومهد الطريق لإقامة صلح بين الجانبين عرف بصلح "أماسيا" (سنة 1555م) .
وكان
من العوامل التي أدت إلى عقد هذا الصلح أنه في غمرة الحروب بين الجانبين
التي أزكاها السلطان بواسطة" القاص" وكانت كراً وفراً بين الجانبين ، أن
أسر" سنان باشا" أحد أكبر قواد السلطان
فعرض"الصدر الأعظم محمد باشا" على السلطان مسألة عقد الصلح مع"الشاه" فوافق السلطان شريطة الإفراج عن الباشا المأسور
ثم وقع الطرفان معاهدة في"أماسيا"(من مدن الأناضول)التي نصت على مايلي:
1-
تكون ولايات "أذربيجان الشرقية" ، "أرمينيا الشرقية" ،" كرجستان الشرقية "
تحت تصرف الصفويين ، في حين تكون" أرمينيا الغربية" ،" كرجستان الغربية"
،"العراق" تحت تصرف الدولة العثمانية وتكون مدينة " قارص" حدا ًفاصلا ًبين
الدولتين .
2- يسمح للحجاج الإيرانيين بالذهاب إلى مكة لأداة فريضة الحج .
2- يسمح للحجاج الإيرانيين بالذهاب إلى مكة لأداة فريضة الحج .
3- تستأنف عمليات الاتفاق بشأن الحدود في منطقة " شهرزور" التي هي مثار النزاع بين الطرفين .
4- يعمل الطرفان على عدم إيواء كل من رجال الدولتين أو أفراد البيوت المالكة ، وفي حال لجوئهم يعمل الطرف الآخر على تسليمهم .
4- يعمل الطرفان على عدم إيواء كل من رجال الدولتين أو أفراد البيوت المالكة ، وفي حال لجوئهم يعمل الطرف الآخر على تسليمهم .
ثم أصدرت المشيئة السلطانية في "استنبول" مرسوم (1559م)، قضى أن يتولى" بايزيد خان"حكومة " قونية" وكان في "أماسيا" ، ويتولى" سليم خان" حكومة "أماسيا" وكان في " قونية" .
وما إن صدر هذا المرسوم حتى قامت الحرب بين ابني السلطان ، وفي الوقت الذي مال فيه السلطان إلى جهة ابنه " سليم" انكسر جيش " بايزيد" فولى هرباً مع مجموعة من جنده إلى الأراضي الإيرانية .
فبالغ الشاة " طهماسب" باستقباله ، لكن السلطان أرسل للشاه رسالة عاتبه فيها على استقباله " بايزيد"
وطالبه
من خلالها أن يسلم" بايزيد" ومن معه إلى الوفد السلطاني ، فوافق الشاه "
طهماسب"على طلب السلطان ، فتم قتل " بايزيد" بالقرب من قزوين و حملت جثته
حيث دفنت في " سيواز" .
وهكذا
مرت هذه القضية دون أن تأثر على العلاقة بين الطرفين ثم ساد جوُّ من الود
بين الدولتين استمر من ( سنة 1566 – 1576 م ) ثم أنه بوفاة الشاه " طهماسب
الأول"(عام 1576 م ) تسارعت الأحداث في المنطقة و أخذت الحرب تطل برأسها من
جديد و السبب المباشر لانكسار صلح "أماسيا" يكمن في أن إحدى القوافل
التجارية العثمانية نهبت في منطقة " زنجان" مما جعل الدولة العثمانية تصدر
أوامرها بإقفال الحدود ، وفرض الحصار المتبادل على طول طرق القوافل ،
مما جعل الحاجة ملحة للحرب لتغيير الوضع القائم .إذ أن "
خسرو باشا" والي منطقة " وان" قد حرض الأكراد للهجوم على الأراضي الصفوية ،
ثم هاجم " أذربيجان "( عام 1578 م ) لتقوم الحرب بين الطرفين .
وكان وقتها الشاه " عباس الأول " قد تسلم الحكم حديثاً ( عام 1590 م ) ، ولأن واقع الحال على غيرما يريد فعقد مع العثمانيين اتفاقية
عرفت باتفاقية"استنبول الأولى"( 1590م)وقد نصت في بنودها على:
1- تكون"
تبريز" مع القسم الغربي من "أذربيجان" و"أرمينيا" و" شكي" و" شماخي"و"
شيروان" و" كرجستان " " قره باغ" وقسم من " لورستان" تحت تصرف الدولة
العثمانية .
2- يبقى"حيدرميرزا" أخوالشاه في"استنبول" بعنوان رهينة كدليل على رغبة الشاه في عدم التجاوز.
3- يتعهد الطرفان بالإفراج عن أسرى الحروب من كلا الجانبين .
4- يتعهد الطرفان بعدم إيواء الفارين من كلا الطرفين .
لم يقدر لهذا الصلح الذي أقرته معاهدة " استنبول الأولى"( سنة 1590 م) أن يطول لأكثر من عام واحد إذ سرعان ما نقض و اشتبك الطرفان في معارك طاحنة استمرت قرابة ربع قرن ، وكان نتيجة لهذه الحروب أن وقع الطرفان اتفاقية
عرفت باتفاقية"استنبول الثانية"(سنة 1613م ) ونصت على مايلي:
1- تعترف الدولة العثمانية بحدودها التي كانت في عهد السلطان " سليمان القانوني" .
2- يتعهد الشاه " عباس " بإرسال مئتي حمل حرير سنوياً إلى البلاط العثماني .
3- تقوم كل دولة باختيار مبعوثيها لتحديد الأراضي الخاصة بكل دولة .
4- تتعهد الدولة الصفوية بعدم القيام بأي عمل استفزازي ضد الدولة العثمانية .
5- تتعهد الدولة العثمانية بعدم منع المسافرين الإيرانيين من المرور بأراضيها لأداء شعائر الحج .
6- تتعهد الدولة الصفوية بعدم حماية حاكم " شهرزور" .
7- يتعهد الطرفان بعدم منع تجوال قوات الجانبين في مناطق الحدود بغية تحديدها .
من خلال بنود هذه المعاهدة يظهر جلياً أن كفة القوة قد مالت للصالح الصفوي ، وذلك حين قام الشاه "عباس
الأول" بإعادة الإعتبار لدولته حين أعاد تنظيمها من الناحيتين العسكرية
والاقتصادية، إذ أنه بعد تمكنه ، أخذ يعد العدة لتوسيع حدود دولته ، وأخذ
ينظر مرة أخرى إلى المدن ذات المواقع الاستراتيجية للاستيلاء عليها ،
وكان
قد وضع في مخططه الوصول إلى حلب بالذات كي يقايض الأوربيين مباشرة .
ولما
كانت معاهدة " استنبول الثانية" تنص في أحد بنودها أن تقوم لجنة لتحديد
الحدود ، تقرر أن تكون " كرجستان" من نصيب الدولة الصفوية الأمر الذي لم
يرضي حاكم " كاخت" ( إحدى مدن كرجستان)
فأعلن عصيانه على الدولة الصفوية ، و وضع نفسه مباشرة تحت حماية الدولة العثمانية
فقامت
الحرب بين الطرفين لينكسر صلح اتفاقية "استنبول الثانية"، وبعد أن اشتبك
الطرفان في معارك متفرقة ، عقد الطرفان معاهدة في منطقة " سراب"( سنة 1616 م
) ،
وقد بدأت العلاقة بين الجانبين إثر هذه المعاهدة و كأنها تسير من حسن
إلى أحسن ، لكنه سرعان ما انقطع حبل الود بين الطرفين لعوامل استجدت أزّمت
الموقف ثم فجّرته،وذلك حين قام الشاه"عباس الأول" بالاستجابة
لدعاوى"بكرصوباشي" ( حاكم بغداد) .
ومع استجابته لدعوة " بكر صوباشي" لدخول
بغداد دارت الحرب بين الجانبين سجالاً مدة ( 15 سنة ) وذلك من الوقت الذي
آلت فيه بغداد و أجزاء من العراق إلى الحكم الصفوي ، واستمرت الحروب بين
الجانبين إلى أن استعاد العثمانيون بغداد ( سنة 1638 م ) .
وعلى
الرغم من المساعي الدبلوماسية التي رافقت هذه الحروب ، استمرت الحرب بين
الجانبين إلى أن وافق الجانبان على عقد اتفاقية عرفت باتفاقية " زهاب" (
سنة 1639 م ) و التي نصت على :
1- يخضع للدولة العثمانية كل من ( بغداد ، البصرة ، الموصل " شهرزور) .
2- في حين تخضع ( أذربيجان الشرقية ، رواندوز ، أرمينيا الشرقية ) للدولة الصفوية
وإثر
هذه المعاهدة ركن الجانبان للصلح والذي استمر إلى(سنة 1722م) إذ أنه بعد
توفي السلطان "مراد الرابع" أرسل الشاه " صفي" خليفة الشاه " عباس الأول"
للسلطان العثماني " إبراهيم الأول" سفارة قدمت التعازي بوفاة السلطان ،
وهنأت السلطان بجلوسه على سدة العرش .
وقد
قصد الشاه من عمله هذا المحافظة على استمرار الصلح و إقامة علاقة ودية مع
السلطان العثماني ، هذه المبادرة جعلت السلطان الجديد يطلق سراح جميع
الأسرى وسلمهم إلى سفير الشاه تأكيداً منه على حسن نواياه تجاه الصفويين ،
وهكذا استمرت العلاقات الودية بين الطرفين إلى أن تمكن "الأفغان" من زعزعة
العرش الصفوي ( سنة 1722 م ) لتقوم الحرب بين الجانبين مرة أخرى ، بعد
اندحار الأفغان على يد " نادر باشا الإفشار" مؤسس الدولة الإفشارية التي
ورثت الدولة الصفوية .
تعليقات
إرسال تعليق