المحاضرةالأولى
الاحتلال الفرنجي الصليبي
أولاً – الأوضاع العامة في الغرب الأوربي عشية الحملات الفرنجية الصليبية :
كانت
بلدان أوربا الغربية تعيش عصور مظلمة بدأت منذ سقوط الإمبراطورية الرومانية
( عام 476 م ) بيد البرابرة الجرمان ، فقد عمّ الظلام مختلف نواحي الحياة
السياسية والدينية والاقتصادية والثقافية و العمرانية ، وظهر النظام الإقطاعي ، فانحطت الزراعة و الصناعة و التجارة انحطاطاً كبيراً .
وكانت الطبقة الشعبية تعيش في فاقة و حرمان ، وتحملت عبء الضرائب و السخرة والظلم و الإرهاق و عانت من المجاعة التي عمت أنحاء أوربة في القرين الحادي عشر الميلادي ، و عاش الفلاحين في غرب أوربة عيشة صعبة في ظل النظام الإقطاعي ،
لذلك عندما تمت الدعوة للحروب الصليبية سارعوا بالانضمام إليها
للتخلص من حياة الذل التي كانوا يعيشونها ، و إذا ماتوا في تلك الحرب ،
فالموت أحب إليهم من حياة الجوع و العبودية ، أما إذا وصلوا سالمين إلى
الأراضي المقدسة فإن حياتهم الجديدة ستكون أفضل من حياتهم التي كانوا
يعيشونها في الغرب .
لذلك ضمت الحملة الأولى جموع غفيرة من المعدمين و الفقراء و المساكين و الهاربين من القانون . وكانت
فرنسة تعاني من مجاعة شاملة قبيل الدعوة للحملة الصليبية الأولى، فندر
وجود الغلال وارتفعت أسعارها بشكل كبير ، وحدثت أزمة في الخبز ، وهذا ما
يفسر النسبة المرتفعة للفرنجة الصليبين من أصل فرنسي .
وقد شارك الأشراف الإقطاعيين في الحملات الصليبية رغبة منهم في تكوين الممالك و الإمارات في الشرق ، وهذا ما جعلهم يجندون الجيوش لتحقيق مطامعهم و أغراضهم .
كما أن
نظام الإرث الإقطاعي شجع على قيام الحملات الصليبية ، ففي النظام الإقطاعي
الابن البكر هو وحده الذي يرث والده ،أما بقية الأبناء فإنهم ينخرطون في
سلك الفروسية، وعندما تمت الدعوة للحروب الصليبية سارعوا في الانضمام إليها
لتعوضهم عما فقدوه في الغرب الأوربي .
ويقال أنه في القرن العاشر الميلادي ظهرت أسطورة تقول : " أن العالم سينتهي مع نهاية الألف الأولى الميلادي ، وأن المسيح سوف يظهر للمؤمنين به " ، فأدى ذلك إلى ظهور موجة من الزهد و التقشف و التصوف و البعد عن ملذات الدنيا ، وأخذ الناس يتقربون إلى الله و يعملون على مرضاته بالتكفير عن ذنوبهم وخطاياهم .
ونشطت
حركة الحج خلال القرن الحادي عشر الميلادي نحو فلسطين بالرغم من المعوقات
الشديدة على الطريق في أوربة وفي بيزنطة ، و أحياناً في ديار المسلمين .
- البابا "أوربان الثاني" و الدعوة للحروب الفرنجية الصليبية :
انتخب
البابا " أوربان الثاني" لمنصب البابوية ( سنة 1088 م ) ، وعندما كان في
مجمع " بليزانسيا" في ( ربيع سنة 1095 م ) استقبل مبعوثي الإمبراطور
البيزنطي " الكسيوس كومنين" الذين طلبوا منه المعونة العسكرية ضد الأتراك
السلاجقة ، فاهتم البابا بالأمر و وعدهم خيراً .
ويقال أنه منذ مجمع " بليزانسيا" أخذت فكرة الحروب الصليبية إلى الشرق تختمر في فكر البابا " أوربان الثاني" ، وقد دعا " البابا أوربان" الناس للتجمع في مدينة " كليرمنت" الفرنسية ، وعقد مجمع "كليرمنت" في 18 / تشرين الثاني / ( سنة 1095 م ) ، ودعا فيه إلى الحملة الصليبية الأولى في / 27 / تشرين الثاني / في السنة نفسها ، وطالب الحضور بضرورة تخليص بيت المقدس من أيدي المسلمين . وأثناء الخطاب كان الجميع يصيحون " هكذا أراد الرب" .
وعندما
انتهى من خطابه نهض أسقف مدينة " بوبي" وركع أمام البابا ، و إلتمس منه
الإذن بأن يلتحق بالحملة المقدسة ، وطلب البابا من الحضور وضع شارة الصليب
على ثيابهم ناحية الكتف الأيمن أو بين الكتفين .
وبعد انتهاء المجمع أرسل البابا إلى الكهنة اللذين لم يحضروا الاجتماع ليعلمهم بالقرارات التي اتخذت في المجمع ، وطلب منهم بذل الجهود لترغيب الناس على الاشتراك بالحملة الصليبية ، ثم راح البابا يتجول في مدن فرنسة ، و يعقد اللقاءات بعد المجمع للفرض نفسه وهو الدعوة للحروب الصليبية .
وشاركت
المدن التجارية في فرنسة و إيطالية بالحملة الصليبية الأولى لأن تلك الحرب
تخلصها من استبداد الأسياد الإقطاعيين من جهة ، ويؤمنوا لها أسواق الشرق
الإسلامي من جهة أخرى .
وقد
دعا إلى الحملة الصليبية الأولى الراهب الإسباني الأصل " بطرس الناسك" الذي
أخذ يطوف المدن و القرى الفرنسية على حماره الأعرج داعياً الناس إلى
النفير ، فتبعته جموع غفيرة من عامة الناس ،
وتحرك إلى الشرق قبل الحملة العسكرية النظامية التي كان يجري الاستعداد لها في " أوربة الغربية" .
ثانياً– الأوضاع العامة في المشرق العربي الإسلامي عشية ا لحملات الفرنجية الصليبية:
وكانت
بلاد الشام عشية الحملات الصليبية في وضع سياسي متفكك ، وكانت مسرحاً
للصراع العسكري و المذهبي بين الفاطميين و السلاجقة ، لذلك كانت منهوكة
القوى عندما بدأت جيوش الفرنجة الصليبين تجوس ديارها .
انقسم المسلمون بين خلافة " سنية عباسية " في " بغداد" ، وخلافة " شيعية فاطمية " في " القاهرة" ،
و
ناصبت كل خلافة الأخرى العداء الشديد ، ويلاحظ أن كلً من الخلافتين عانت من
أوضاع سياسية متردية ، فالخلافة العباسية سيطر عليها " البويهيون الشيعة" (
سنة 945 م ) ، والخلافة الفاطمية – خاصة في عصرها الثاني – عانت من ضعف
الخلفاء وزيادة نفوذ الوزراء العظام ،
وتنازعت الخلافة الفاطمية مع الخلافة
العباسية على زعامة العالم العربي الإسلامي ، وسيطر الفاطميون على بلاد
الشام لكن قوتهم بدأت
بالانحسار عن بلاد الشام بفضل جهود السلاجقة ، حيث تمكن قائدهم " أتسز"
التركماني من تحريرها حتى مدينة دمشق في ( حزيران سنة 1076 م ) ، ثم هاجم "
أتسز" مصر ( سنة 1077م) لكن " بدر الجمالي" تصدى له وانتصر عليه ، و تراجع
" أتسز" إلى " الرملة " ومنها إلى " دمشق" .
وأرسل"
بدر الجمالي" حملة إلى دمشق ( سنة 1079 م) لكنها فشلت بسبب وصول " تاج
الدولة تتش بن ألب آرسلان" إلى دمشق نتيجة استنجاد "أتسز" به ، كما أرسل "
بدر الجمالي" حملة إلى " صور" ( سنة 1094 م ) بسبب عصيان واليها الأمير" منير الدولة" ،
ونجحت الحملة في الدخول إلى "صور". ونجح " الأفضل بن بدر الجمالي" فيما فشل فيه أبوه ، وهو استعادة " جنوب الشام وكل فلسطين" .
ونجح السلاجقة بقيادة " طغرل بك" في دخول بغداد ( سنة 1055 م ) ليحلوا محل البويهيين في الهيمنة على العراق ، وتمكن " طغرل بك " من القضاء على حركة " البساسيري الشيعية" ( سنة 1058 م ) .
ونجح السلاجقة بقيادة " طغرل بك" في دخول بغداد ( سنة 1055 م ) ليحلوا محل البويهيين في الهيمنة على العراق ، وتمكن " طغرل بك " من القضاء على حركة " البساسيري الشيعية" ( سنة 1058 م ) .
وبعد وفاة " طغرل بك" تولى "ألب
آرسلان بن جغري بك"حكم السلاجقة( سنة 1063 – 1072 م ) .
وسار "
ألب آرسلان" قاصداً بلاد الشام ( سنة 1071 م ) ودخل حلب و ترك حكمها إلى "
محمود بن نصر المرداسي" ( 1065 – 1074 م) ، وتوجه " ألب آرسلان " لملاقاة
الإمبراطور البيزنطي " رومانوس الرابع" و انتصر عليه في معركة " مناذ
كرد" وكان من أهم نتائجها ، تقدم السلاجقة في آسيا الصغرى على حساب
البيزنطيين حيث تمكن " سليمان بن قتلمش" ( سنة 1081 – 1086 م ) من تأسيس
مملكة " سلاجقة الروم " بآسيا الصغرى .
وبلغت الدولة السلجوقية أوج اتساعها في عهد السلطان " ملك شاه" ( 1072 – 1092 م ) ولكن قوة السلاجقة لم تستمر في الصعود بل أخذت بالانحلال إثر وفاة "ملكشاه" ( سنة 1092 م ) وانقسموا على أنفسهم و وقعت الحروب بينهم ، وانقسمت سلطتهم إلى عدة دول متنازعة، منها مملكة " سلاجقة خرسان و ماوراء النهر" وعلى رأسها " سنجر" ، ومملكة "سلاجقة فارس" وعلى رأسها " بركياروق"
ومملكة
"سلاجقة الروم" وعلى رأسها " قلج آرسلان بن سليمان بن قتلمش" ، ومملكة "
سلاجقة حلب" وعلى رأسها " رضوان بن تتش" ، ومملكة "سلاجقة دمشق" وعلى رأسها
" دقاق بن تتش" وقد نشب النزاع بين الأخوين ولم يتوقف إلا حين بلغت
الأنباء باقتراب الفرنجة الصليبين من البلاد .
ومما زاد التمزق في بلاد الشام هو أن السلاجقة حتى في أيام قوتهم لم يحكموا كل بلاد الشام حكماً مباشراً ، بل قبلوا بوجود أسر محلية قدمت لهم الولاء .
فقد
كان هناك إمارة " بني مرداس" في " حلب" ( 1024 – 1079 م ) ، و إمارة " بني
عماد" في " طرابلس" بشمالي لبنان (1070 – 1109 م ) ، وإمارة " بني منقذ "
في " شيزر" (1081 – 1157م) وكانت " بيت المقدس " وشمالي الشام " في يد
الآراتقة( 1086 – 1098 م) وكان " خلف بن ملاعب" في "حمص" وكانت " صور" في
يد " بني عقيل" .
واستغل الفاطميون انشغال السلاجقة بالغزو الصليبي و قاموا بالاستيلاء على " بيت المقدس" حيث نجح الوزير"الأفضل بن بدر الجمالي" في الاستيلاء على بيت المقدس من "الآراتقة" في(آب سنة 1098 م).
ثالثاُ – الحملة الصليبية الأولى :
تألفت الحملة الصليبية الأولى كما هو معروف من قسمين :
1- الحملة الشعبية أو ( حملة العامة ) .
2- الحملة النظامية أو ( حملة الأمراء ) .
1ً- الحملة الشعبية أو "( حملة العامة ) :
في
أوائل ( سنة 1096 م ) انطلق من أوربة إلى المشرق جموع من الفلاحين الفقراء
كما انضم إليهم بعض المجرمين و قطاع الطرق ، وقد سار على رأس هذه الجموع
غير المنظمة " بطرس الناسك" وبعض رجال الدن الآخرين مثل " غوتشالك" و "
غوتيه المعدم" اللذين تصفهم بعض المصادر بالغباء و السذاجة ، لأنهم أثاروا
حماسة الجماهير الفقيرة و قادوها إلى الهلاك دون وعي و تقدير للعواقب .
وكان أكثر هؤلاء الصليبين الفقراء من وسط فرنسة وشمالها ومن غرب ألمانية .
وكان من زعماء العامة شخص اسمه " والتر" الملقب " بالمفلس" ، وقد قاد أتباعه عبر "هنغاريا" ثم أراضي الدولة البيزنطية ، وفي الطريق نسيت تلك الجموع أنها تخترق بلاد مسيحية ، فأخذوا ينهبون
وكان من زعماء العامة شخص اسمه " والتر" الملقب " بالمفلس" ، وقد قاد أتباعه عبر "هنغاريا" ثم أراضي الدولة البيزنطية ، وفي الطريق نسيت تلك الجموع أنها تخترق بلاد مسيحية ، فأخذوا ينهبون
و يسلبون و يعتدون على الأهالي الأمنيين ، وتابعوا طريقهم إلى " صوفيا" و" أدرنة" حتى وصلوا"
القسطنطينية" (عام 1096 م )
وهناك سمح لهم الإمبراطور البيزنطي " الكسيوس
كومنين" بالانتظار خارج أسوار العاصمة حتى وصول " بطرس الناسك" .
أما " بطرس الناسك" فقد غادر " بولونيا" ( عام 1096 م) على رأس مجموعة مخترقاً " ألمانية وهنغارية" ، وقتل أتباع " بطرس الناسك" أربعة آلاف من أهل " سملين الهنغارية" وظل أتباع "بطرس الناسك" ينهبون ويسلبون طوال طريقهم إلى القسطنطينية حيث التقوا بجماعة " والتر المفلس" .
أما " بطرس الناسك" فقد غادر " بولونيا" ( عام 1096 م) على رأس مجموعة مخترقاً " ألمانية وهنغارية" ، وقتل أتباع " بطرس الناسك" أربعة آلاف من أهل " سملين الهنغارية" وظل أتباع "بطرس الناسك" ينهبون ويسلبون طوال طريقهم إلى القسطنطينية حيث التقوا بجماعة " والتر المفلس" .
وعمل
الإمبراطورالبيزنطي "الكسيوس كومنين" على التخلص من الصليبين الفقراء ،
فسهل لهم العبور إلى " آسيا الصغرى" ، حيث انقض عليهم السلاجقة فقتلوا
الكثيرين منهم ، بينما عاد الباقون برئاسة
"
بطرس الناسك" إلى القسطنطينية لينتظروا قدوم حملة الأمراء الإقطاعيين ،
وهكذا أفضت الحملة الصليبية الشعبية إلى كارثة وزادت منذ البداية في
الكراهية بين البيزنطيين و الأوربيين ، كما وضعت العراقيل و الصعوبات أمام
حملة الأمراء التي جاءت إلى القسطنطينية بعد فترة و جيزة .
2ً – الحملة النظامية أو ( حملة الأمراء ) :
تشكلت الحملة النظامية من أربع مجموعات كبيرة هي :
1- المجموعة الأولى : ضمت فرسان منطقة "اللورين الفرنسية" و ترئسها الدوق "
غودفرى" وأخوه " بلدوين" ، وفي هذه المجموعة بعض الألمان .
2- المجموعة
الثانية : ضمت النورمان من المملكة النورماندية التي نشأت في جنوب إيطالية
، وترئسها " بوهيموند بن روبرت جوسيكارد" و ابن أخته " تانكريد" ( تانكرد)
3-المجموعة
الثالثة : كانت بقيادة " ريموند دي سانت جيل" (ريموند الصنجيلي) كونت "
تولوز" ، يرافقه " أدهيمار" المندوب البابوي ، وضمت هذه المجموعة فرسان
منطقة " البروفانس" في جنوب فرنسا .
4-المجموعة الرابعة : تألفت من الفرنسيين تحت زعامة " روبرت " أمير " نورمانديا" وصهره " أتين ستيفن" أمير " بلواوشارتر" .
انطلقت
قوات الأمراء الإقطاعيين من أوربة إلى الشرق في أواخر ( سنة 1096 م ) وقد
سلكت هذه القوات طرق مختلفة و وصلوا إلى القسطنطينية( سنة 1097 م ) ولكن
ليس بشكل جماعي وإنما وصلت المجموعات بشكل منفرد ، وأقسم جميع زعماء الحملة
الأولى – ما عدا ريموند و تنكرد – يمين الولاء
والتبعية
للإمبراطور البيزنطي " الكسيوس كومنين" وتعهدوا له برد كافة الممتلكات
البيزنطية القديمة التي سيستطيعون استردادها من السلاجقة من " نيقية " حتى "
إنطاكية" .
وفي مقابل ذلك تعهد الإمبراطور البيزنطي بمساعدتهم في مهمتهم بكل قواه ، وأن يسهم هو الآخر في الحرب الصليبية ، وأن يمدهم بفرق من الجيش البيزنطي في حالة عدم تمكنه من مرافقتهم شخصياً .
والحقيقة أن الإمبراطور البيزنطي لم يطلب من أوربا قوات نظامية ، وإنما أراد قوات مرتزقة تعمل تحت إمرته كالعادة .
المهم
أن القوات الصليبية بعد أن عبرت "البوسفور" تجمعت كلها على الشاطىء الآسيوي
قرب"أزمير" حيث حضر"بطرس الناسك" لمقابلة الأمراء .
وكان عدد المحاربين يتراوح بين/ 60 ألف/ و/ 100 ألف/ تبعتهم طائفة كبيرة من الخدم و المشاة .
وكان عدد المحاربين يتراوح بين/ 60 ألف/ و/ 100 ألف/ تبعتهم طائفة كبيرة من الخدم و المشاة .
كان
أول عمل قام به الصليبيون ضد السلاجقة هو حصار مدينة " نيقية" التي كان قد
احتلها السلطان السلجوقي " سليمان "( سنة 1081 م ) من البيزنطيين ، وقد
انضم إلى القوات الصليبية كتيبة بيزنطية بقيادة القائد " تاتيكيوس " وأمدهم
الإمبراطور " الكسيوس كومنين" بآلات الحصار والطعام والمؤنة .
وفي ذلك الوقت كان " قلج آرسلان" متغيباً عن " نيقية" لأنه كان في نزاع مع " بني الدانشمند" في "كبادوكيا" حول مدينة " ملطية" ، وإنما كان في المدينة زوجته و أولاده و أمواله .
وفي ذلك الوقت كان " قلج آرسلان" متغيباً عن " نيقية" لأنه كان في نزاع مع " بني الدانشمند" في "كبادوكيا" حول مدينة " ملطية" ، وإنما كان في المدينة زوجته و أولاده و أمواله .
و وصل "
قلج آرسلان" إلى " نيقية" بعد أن حاصرها الصليبيون ، و أدرك أنه من الخير
له أن ينسحب لأن قوة الصليبين كانت أكبر مما توقع .
وقد
لوحظ العلم البيزنطي مرفوعاً فوق أسوار مدينة "نيقية" وهذا يعني أن
الإمبراطور البيزنطي أجرى مفاوضات سرية مع سكان المدينة فحصل منهم على قبول
الاستسلام لبيزنطة مقابل الحفاظ على حياتهم و عدم تعرضهم للاضطهاد ،
وبذلك
عادت " نيقية" إلى أحضان الإمبراطورية البيزنطية(عام 1097 م) وبعد سقوط "
نيقية" بيد البيزنطيين تشجع الصليبيون وخاصة من كان محجماً عن المشاركة في
الحركة الصليبية ، وأخذت الإمدادات تصل تباعاً إلى الصليبين ، كما أن المدن
الإيطالية تشجعت ونظرت إلى الأمر نظرة جدية جعلتها تسهم إسهاماً في تلك
الحرب .
- موقعة " ضورليوم" و الاستيلاء على " قونية":
بعد سقوط " نيقية" استأنف الصليبيون سيرهم في مجموعتين :
ضمت المجموعة الأولى النورمان جميعاً ، أي نورمان إيطالية بزعامة " بوهيموند" و" تنكرد" ، و" نورمان فرنسة" بزعامة " روبرت" ،
وذهبوا في الاتجاه الشمالي الشرقي .
وكان على رأس المجموعة الثانية المندوب البابوي " أدهيمار" ومعه " غودفري" و" ريموند" ، وساروا في الاتجاه الجنوبي الشرقي .
على أن تلتقي المجموعتان عند " ضورليوم" بالقرب من " إسكي شهر" الحالية .
وعندما وصل الصليبيون إلى مرتفعات " ضورليوم" ، علموا بوجود تحالف بين السلاجقة و"الدانشمند" ضد الصليبين .
ورغم ذلك دارت الدائرة على الأتراك السلاجقة ( عام 1097م ) ، وانتصر الصليبيون وغنموا كميات ضخمة من المؤن و الغنائم .
وتابع
الصليبيون زحفهم في الاتجاه الجنوبي الشرقي عبر " فريجيا" حتى وصلوا إلى
سهول " قونية" الغنية ، و وجدوا مدينة " قونية" خالية من الناس و الزاد ،
ولم يبق فيها إلاّ بعض الأرمن الذين قدموا النصح للصليبين بالتزود بالماء
قبل اجتياز الصحراء المقفرة بين " قونية" و" هرقلة" .
وعند " هرقلة" انقسم الصليبيون إلى قسمين :
اتجه " تنكرد" ومعه " بلدوين" صوب " كيليكيا" في الجنوب الشرقي من آسيا الصغرى .
في حين اتخذ المندوب البابوي و" غودفري" و" بوهيموند" و" ريموند" طريقاً شمالياً شرقياً صوب
" قيصرية" التي سقطت في أيديهم (سنة 1097 م )، ثم استولوا على " قلعة أرمينيا" في جبال طوروس و سلمت للبيزنطيين ، ثم سيطروا على مدينة " مرعش" الأرمينية وسلموها للسلطات البيزنطية .
" قيصرية" التي سقطت في أيديهم (سنة 1097 م )، ثم استولوا على " قلعة أرمينيا" في جبال طوروس و سلمت للبيزنطيين ، ثم سيطروا على مدينة " مرعش" الأرمينية وسلموها للسلطات البيزنطية .
- حملة "الكسيوس كومنين " على " إيونيا" و" فريجيا" :
فقد أدى سقوط " نيقية" في أيدي السلاجقة ( عام 1081 م ) إلى استيلائهم على جميع الأجزاء الغربية من الأناضول .
كذلك جاء استيلاء البيزنطيين على هذه المدينة ( عام 1097 م ) بداية لاسترداد بيزنطة للجزء الغربي من الأناضول كله .
كذلك جاء استيلاء البيزنطيين على هذه المدينة ( عام 1097 م ) بداية لاسترداد بيزنطة للجزء الغربي من الأناضول كله .
بعد
استيلاء البيزنطيين على " نيقية" ، وجد صغار الأمراء الأتراك على شاطىء بحر
"إيجة" مثل أمير " أزمير" وأمير" إفسوس" أنفسهم مقطوعين عن الدولة
السلجوقية .
وأرسل الإمبراطور البيزنطي إلى " إيونيا" صهره " حنا وقاس" على رأس جيش بيزنطي ، كما أرسل إسطولاً تحت قيادة " كاذباكس" ، و استسلم على الفور كل من أمير " إفسوس" و " أزمير" .
وأرسل الإمبراطور البيزنطي إلى " إيونيا" صهره " حنا وقاس" على رأس جيش بيزنطي ، كما أرسل إسطولاً تحت قيادة " كاذباكس" ، و استسلم على الفور كل من أمير " إفسوس" و " أزمير" .
وفي ( سنة 1098 م ) استرد " حنا وقاس" إقليم " ليديا " و" غرب فريجيا" من الأتراك ، وأنزل هزيمة بالأتراك عند " بلوادين" .
وفي تلك الأثناء كان الإمبراطور قد احتل " بثينيا" التي أخلاها الأتراك عقب هزيمة " ضورليوم" .
وهكذا
تّم للبيزنطيين استرداد الجزء الغربي من الأناضول ( عام 1098 م ) ، ولم يبق
أمام "الكسيوس كومنين" سوى الاتجاه نحو " كيليكيا" و " الشام" للّحاق
بالصليبين الغربيين أمام " إنطاكية" .
وبذلك ثأرت الإمبراطورية البيزنطية لنفسها مما حل ّ بها على يد السلاجقة منذ موقعة " ملاذ كرد"
( عام 1071 م ) .
تعليقات
إرسال تعليق