المحاضرة الخامسة
- المملكة النورماندية في جنوب إيطالية و صقلية :
- قيام الدولة النورماندية :
في
القرن الحادي عشر الميلادي أخذ فريق من النورمانديون يتركون موطنهم في "
نورماندية " ويتوافدون إلى الجنوب الإيطالي ، حتى تمكنوا من تأسيس دولة "
نورماندية" ، وفي مطلع ذلك القرن يمكن أن نقسم جنوب إيطالية إلى :
1- الإمارات اللومباردية وهي (سالرنو- كابو – نبيفنتو ) وكانت هذه الإمارات تتمتع بالحكم الذاتي .
2- الدويلات البحرية وهي ( جيتة – نابولي – مالفي ) ، وكانت هذه الدويلات تدين بالتبعية الاسمية لبيزنطة ، وكانت تتمتع بالحكم الذاتي .
3- الأقاليم البيزنطية وهي ( أبولية – كاليبريا ).
- وقد ساعد النورمان على فتح جنوب إيطالية عدة عوامل هي :
1-
كان الجنوب الإيطالي مسرحاً للنزاع بين عدة قوى ذات مطامع سياسية و
اقتصادية و دينية ، وهي الإمبراطورية البيزنطية و اللومبارديين و البابوية ،
لذلك كان هذا الانقسام عاملاً مساعداً للفتح النورماندي .
2-
كلن الحكم البيزنطي في "أبولية" يتصف بالشدة والقسوة ، لذلك استاء السكان
من الحكم البيزنطي لذلك كانوا على استعداد للتعاون مع أي قوة ضد البيزنطيين
.
3-
غارات العرب المسلمين على سواحل جنوب إيطالية ( مثل غاراتهم على " سالرنو"
بسبب عدم دفع الجزية) مما جعل السكان لا يثقون بالقوة السياسية القائمة ،
وهذا كان عاملاً مساعداً لفتح النورمان تلك البلاد .
4-
رغبة الأمراء اللومبارديين في طرد البيزنطيين من " أبولية" و" كاليبرية" ،
لذلك وقفوا مكتوفي الأيدي عندما اكتسح النورمان هذين الإقليميين .
5- ضعف الدولة البيزنطية وعجزها عن الدفاع عن ممتلكاتها في جنوب إيطالية كان عاملاً مساعداً للنورمان على فتح جنوب إيطالية .
-
و يرتبط ظهور النورمان في جنوب إيطالية بثورة " ميلو" حاكم مدينة " باري"
الذي كان يريد تحرير مدينة " أبولية" من البيزنطيين ، وذلك أن النورمان
كانوا في الحج ، وعندما عادوا شاهدوا مدينة " " سالرنو" محاصرة من قبل
العرب المسلمين ، لذلك طلب حاكم المدينة من النورمان مساعدته ، لذلك ساعدوه
و رفعوا الحصار عن المدينة ، وعند ذهابهم إلى بلادهم أرسل معهم وفداً إلى
بلاد النورمان يدعوهم إلى القدوم إليه ، وفعلاً عند قدوم كثير منهم اتصلوا
في طريقهم بالثائر "ميلو" و حاربوا معه البيزنطيين، وعلى الرغم من أن ثورة "
ميلو" فشلت إلا أن النورمان استقروا في"أبولية"(سنة 1030م) و شكلوا أول
إمارة لهم ، وكانت تلك الإمارة برئاسة شخص اسمه " رانولف" .
- أسرة أروتفيل :
أخذ
أبناء هذه الأسرة يتوافدون إلى جنوب"إيطالية" و"صقلية" لذلك ساعدوا على
قيام الدولة النورماندية ومن أبناء هذه الأسرة الذين قدموا إلى جنوب
"إيطالية" " وليام" وشقيقه" دروجو" حيث عملوا في البداية كمرتزقة ، وفي (
سنة 1042 م ) استطاع " وليام" الاستيلاء على " أبولية" و أتخذ من " ملفي"
عاصمة له .
- روبيرت جويسكارد :
وصل
(سنة 1046 م ) إلى جنوب إيطالية ويعتبر المؤسس الحقيقي للدولة النورماندية
، عمل في البداية كقاطع طريق أو زعيم ثم انضم إلى عملية فتح " أبولية"
التي كان يقودها شقيقه " دروجو" .
وفي
( سنة 1057 م ) اختار الزعماء النورمان " روبيرت جويسكارد" أميراً على "
أبولية" ثم استولى على " ملفي" ( سنة 1073 م ) كما استولى على " سالرنو" (
سنة 1076 م ) كما قام بحملة ضد بيزنطة ( 1081 – 1085 م ) .
- النورمان و البابوية :
لقد حصل النزاع بين الطرفين لعدة أسباب نذكر منها :
1- التوسع النورماندي في جنوب إيطالية .
2- تهديم النورمان للكنائس و الأديرة و ما تبعها من أعمال السلب و النهب .
- لذلك أصبح البابوات يكرهون النورمان لذلك تحالف البابا " ليو التاسع" مع " أرجيروس" عامل بيزنطة على " أبولية" و"كاليبريا" .
- وفي
(سنة 1053م ) سار البابا " ليو التاسع" على رأس جيش كبير للوقوف
بجانب"أرجيروس" في نزاعه ضد الرومان إلا أن النورمان هاجموا "أرجيروس"
وانتصروا عليه قبل قدوم البابا ثم هاجموا البابا " ليو التاسع" و انتصروا
عليه في معركة " كيفتاتي" في ( حزيران سنة 1053 م) و وقع البابا في الأسر .
- معاهدة " ملفي" ( سنة 1059 م ) :
وقعت هذه المعاهدة ( سنة 1059 م ) بين النورمان و البابوية في عهد البابا " نيقولا الثاني" وتضمنت عدة بنود هي :
1- تعهد " جويسكارد" بالولاء و الطاعة للكنيسة الرومانية .
2- تعهده بعدم المشاركة بأي عمل أو قول ضد الحبر الروماني .
3- تعهد " جويسكارد" أيضاً بحماية حقوق و ممتلكات القديس " بطرس" .
4- منح البابا " جويسكارد" لقب " دوق أبولية و كاليبرية و الأمارات اللومباردية وصقلية أيضاً عندما يتم تحريرها من العرب المسلمين .
وكان لهذه المعاهد نتائج نذكر منها :
1- كسبت البابوية من خلال هذه المعاهدة حليف إلى جانبها و هم النورمان .
2- اعترفت البابوية بالوجود الروماني مما ساعد " جويسكارد" على إتمام مشاريعه التوسعية .
- حملة " جويسكارد" ضد بيزنطة ( 1081 – 1085 م ) :
لقد قام " جويسكارد " بالحملة ضد بيزنطة بين سنتي ( 1081 – 1085 م ) لعدة أسباب هي :
1- لأنه
كان قد خطب ابنته "هيلانا" إلى" قسطنطين" ابن الإمبراطور"ميخائيل السابع"
وعندما وصلت العروس إلى "القسطنطينية" وقبل الزواج وقع انقلاب عسكري بقيادة
" نقفور الثالث" الذي بعث الإمبراطور " ميخائيل " و ابنة " جويسكارد" إلى
دير للرهبان .
2- رغبته في إعادة عرش الإمبراطورية إلى " ميخائيل السابع" .
3- تأييد البابا " جريجوري السابع" و تقديمه العون و المساعدة لحملة " جويسكارد" .
4- قيام انقلاب عسكري من قبل "الكسيوس كومنين" و ضغف الميزانية والجيش والبحرية في عهده
- وإن حملة " جويسكارد" كانت تنفذ على ثلاث مراحل حسب ما كانت تعتقد المؤرخة " آنا كومنينا" :
1- احتلال مدينة " دورازو" .
2- احتلال مدينة " تسالونيك" .
3- احتلال مدينة " القسطنطينية" .
1ً- احتلال جزيرة " كورفو" و مدينة " دورازو" :
وفي
(سنة 1081م)أبحر"جويسكارد" من البحرالأدرياتيكي على رأس قواته وكان معه
ابنه" بوهيموند" و الراهب الذي يدعي أنه الإمبراطور " ميخائيل السابع"
ونجحت القوات النورماندية في احتلال جزيرة " كورفو"، وفرضت الحصار على
مدينة " دورازو" إلا أنه في تلك الأثناء وصل أسطول "البندقية"إلى مياه
"دورازو" نتيجة للاتفاقية - البيزنطية البندقية – ودمر الأسطول النورماندي ،
لذلك غادر"الكسيوس كومنين " القسطنطينية على رأس جيش كبير وعسكر قرب مدينة " دورازو" و دارت بينه و بين
" جويسكارد" معركة انتهت بهزيمة القوات البيزنطية وهرب " الكسيوس كومنين" و فتح " جويسكارد" مدينة " دورازو" ( سنة 1082 م ) .
2ً- الاستعداد لاحتلال مدينة " تسالونيكا" و عودته إلى إيطالية :
في ( سنة 1082 م ) غادر"جويسكارد" مدينة " دورازو" لاحتلال " تسالونيكا" إلا أنه عاد إلى إيطالية للأسباب التالية :
1- لأنه عندما كان في طريقه إلى " تسالونيكا" وصله رسول من إيطالية أخبره بتمرد أتباعه في " أبوليا" و" كاليبريا" .
2- لان الإمبراطور الألماني "هنري الرابع" قد وصل بقواته إلى إيطالية واتخذ طريقه إلى" روما" .
3- وصول رسالة من البابا " جريجوري السابع" يطلب من " جويسكارد" العودة بسرعة للوقوف إلى جانبه ضد عدوه " هنري الرابع" .
لذلك
غادر"جويسكارد" إلى إيطالية بعد أن ترك قيادة الحملة لابنه " بوهيموند"،
وعندما علم "الكسيوس كومنين" برحيل " جويسكارد" جهز جيشاً و سار به ( 1082 م
) لمواجهة " بوهيموند" الذي هزم في معارك عديدة و تشتت قواته و عاد إلى
إيطالية .
3ً- جويسكارد و استعداده للحملة الجديدة :
بعد أن قضى " جويسكارد" على ثورة أتباعه و"هنري الرابع" ، سار ( سنة 1084 م ) على رأس قواته و استطاع احتلال جزيرة " كورفو" .
وفي ( سنة 1085 م ) انتشر وباء ذهب ضحيته " جويسكارد" نفسه .
4ً- نتائج حملة " جويسكارد" ضد بيزنطة :
1- فشل الحملة في تحقيق أهدافها ( احتلال دورازو – تسالونيكا – القسطنطينية ) .
2- استعادة البيزنطيين ما احتله النورمان منهم .
3- وفاة " جويسكارد" .
- الاحتلال النورماني لصقلية :
1ً- دوافع الاحتلال النورماني لصقلية :
- دوافع سياسية وعسكرية :
1- قرب " صقلية" من إيطالية .
2- لأنها بأيدي العرب المسلمين حيث أن بعض الأمراء العرب المسلمين أخذوا يلتمسون العون
و المساعدة من النورمان ضد بني قومهم .
- دوافع اقتصادية :
1- لأنها كانت غنية بالمزروعات كالبندق و الأرز و الصنوبر و القمح و الكتان و قصب السكر .
2- توافر الثروات المعدنية كالذهب و الكبريت و الزئبق و الرصاص و النحاس و الفضة .
3- ازدهار صناعة السفن و الأيقونات .
4- موقعها التجاري الممتاز .
2ً – الاحتلال النورماني لصقلية :
1- استغرق هذا الاحتلال ( 30 عاماً ) من ( 1061 – 1091 م ) .
2- كان يقود عمليات الاحتلال النورماندي شقيق " جويسكارد" ( روجر) .
3- كان هذا الاحتلال عبارة عن عدد لا يحصى من الغارات و المناوشات التي انتهت باحتلال الجزيرة .
- روجر الثاني وبيزنطة :
شجعت
بيزنطة الملك الألماني " لوثر الثاني" ضد " روجر الثاني" فقد قام بحملة ضد
" روجر الثاني " ( سنة 1136 م ) بتمويل من الإمبراطور البيزنطي " يوحنا
كومنين" إلا أنه رغم الانتصار الألماني القصير استطاع " روجر الثاني"
استعادة كل ما أخذه منه الألمان .
وفي
( سنة 1147 م ) بعث " روجر الثاني" إسطولاً نورمانياً بقيادة " جورج
الإنطاكي" الذي استطاع الاستيلاء على جزيرة " كورفو" ومن ثم احتل عدد من
الجزر مثل مدينة " ينقروبونت" ومن ثم الانتقال إلى البر اليوناني و التقدم
في الأراضي البيزنطية حيث احتلت مدينتي " طيبة" و" بورنثا" .
وفي ( سنة 1149 م ) استطاع " منويل كومنين" من استرداد " كورفو" من أيدي النورمان .
وفي ( سنة 1149 م ) استطاع " منويل كومنين" من استرداد " كورفو" من أيدي النورمان .
- الملك النورماني " وليام الأول " ( الشرير) :
هو ابن " روجر الثاني" حكم بين سنتي ( 1154 – 1166 م ) ، أبرز ما حدث في عهده الخطر البيزنطي الذي تعرضت له مملكته .
ففي ( سنة 1155 م ) زحف القوات البيزنطية نحو " أبوليا" واستطاعت تلك القوات احتلال الساحل الغربي للبحر الادرياتيكي .
كما استطاعت القوات البيزنطية فتح مدينة " برانديزي" ( سنة 1156 م ) .
وفي
( سنة 1156 م ) أيضاً جرت معركة حامية الوطيس بين " وليام " والقادة
البيزنطيين ، أسفرت عن تمزق القوات البيزنطية و وقوع عدد كبير منهم في
الأسر ، وكان في مقدمة هؤلاء الأسرى القائد
" يوحنادوقاس" .
" يوحنادوقاس" .
وبعدها استطاع " وليام" استعادة المدن التي أخذها البيزنطيين .
- بالنسبة لمدينة " باري" دمرها انتقاماً من سكانها وقد استخدم أقسى أنواع الشدة و العنف لذلك سمي بـ" الشرير" .
- وفي
سنة ( 1158 م ) وقعت معاهدة بين النورمان و البيزنطيين تعهد فيها " وليام"
بإطلاق صراح الأسرى البيزنطيين الذين وقعوا في الأسر في المعركة التي وقعت
قرب " برانديزي" وكانت المعاهدة تعني اعتراف بيزنطة بشرعية الوجود
النورماندي في إيطالية .
- الملك النورماني " وليام الثاني" ( الطيب) :
ابن
" وليام الشرير" حكم بين ( سنتي 1166 – 1189 م ) أبرز حدث قام في عهده هو
قيامه بحملة ضد البيزنطيين ( عام 1185 م ) فبعد وفاة " منويل كومنين" استلم
العرش البيزنطي ابنه "الكسيوس الثاني" إلا أنه ألقي القبض عليه و ابعد عن
العرش نتيجة انقلاب قام به " أندرنيق كومنين" ، لذلك كان سبب الحملة أن
شخصاً اسمه " الكسيوس كومنين" أوحى أنه أحد أقرباء " منويل كومنين" و طلب
المساعدة من " وليام الثاني" الذي أخذ يعد حملة لمساعدته .
وقد
غادرت الحملة " صقلية" ( عام 1185 م ) بثمانيين ألف من المقاتلين النورمان
، وعبروا البحر الأدرياتيكي وفرضوا الحصار على مدينة " دورازو" و استطاعوا
فتحها .
-
وفي ( آب 1185 م ) استولوا على مدينة " تسالونيكا" و ارتكبوا أعمال وحشية
ضد السكان ، الأمر الذي أدى إلى انتشار المجاعة و الأوبئة ، وقد شعر "
أندرنيق كومنين" بخطورة الوضع لعلمه أن النورمان يتوجهون إلى "
القسطنطينية" ، لذلك اتخذ إجراءات سياسية وعسكرية هي :
1- اتصل بـ " صلاح الدين الأيوبي" وطلب منه العون و النصيحة ضد النورمان .
2- فتح باب المفاوضات مع "البندقية" و البابوية من أجل الحصول على الدعم و المساعدة .
3- أرسل جيوش للتصدي للقوات النورماندية .
-
وفي ذلك الوقت ثار الشعب وعزل " أندرنيق كومنين" وتم انتخاب " اسّحق
انجليوس" إمبراطوراً ، الذي استطاع إلحاق الهزيمة بالقوات النورماندية و
إنقاذ العاصمة من خطر ماحق .
-
وقد وقعت معاهدة صلح بين " وليام الثاني" و" اسّحق انجليوس" ، لأن الأول
تأثر بفتح " صلاح الدين " لبيت المقدس ( سنة 1187 م ) ، لذلك أراد أن يكرس
كل قواه لمساعدة الصليبين .
- سقوط المملكة النورماندية :
بوفاة
الملك النورماندي " وليام الثاني " ( سنة 1189 م ) أخذ العصر الذهبي
للمملكة بالانحسار ، فبدأت الأسرة المالكة بالانقراض ، حيث أن " وليام"
توفي دون أن ينجب وريثاً للعرش ، وكان وريثه الشرعي عمته " كونستانس" التي
تزوجت من " هنري السادس" ابن الإمبراطور " فردريك بربروسا"(1186م) كما تمكن
الحزب الوطني النورماندي من تعيين" تنكرد"(تانكريد) حفيد " روجرالثاني"
ملكاً(1191م ).
وبعد
أن توج " هنري السادس" إمبراطوراً في "روما" توجه نحو الجنوب ،إلا أن "
تانكريد" تمكن من إلحاق الهزيمة به ، و وقعت زوجته " كونستانس" في الأسر ،
ثم أطلق سراحها بعد تدخل البابا .
-
وفي ( سنة 1194م ) توفي " تانكريد" وكان عنده ولداً إلا أن "هنري السادس"
تمكن من إلقاء القبض عليه و على والدته ، وبذلك قضي على الأسرة النورماندية
، وتوج " هنري السادس" إمبراطوراً على ألمانية وملكاً على عرش المملكة
النورماندية في صقلية .
تعليقات
إرسال تعليق