التخطي إلى المحتوى الرئيسي

فن العمارة الإسلامية في أفريقيا

العمارة الإسلامية في أفريقيا
بعد فتح " عقبة بن نافع " "إفريقية" ( عام 50هـ) ، أدرك أنه لا بد من إقرار المسلمين لتمكين الإسلام في البلاد ، و رأى أن يبني مدينة للمسلمين ، فيها مؤسسات اجتماعية يلجؤون إليها عند الحاجة ، و تكون عماداً لهم في أمورهم ، و ملاذاً يصيرون إليه 0
أولاً – العمارة المدنية :
1- تأسيس القيروان:
انطلق " عقبة بن نافع " و أصحابه يبحثون عن موقع ملائم لبناء مدينة عليه ، و وقع اختيارهم على مكان " القيروان" اليوم ، لأنه واقع في الصحراء بعيداً عن البحر ،  فلا تطرقه مراكب الروم ، و بعيداً عن الجبال ، معاقل البربر ، و يؤمن مرعى للإبل ، بالإضافة إلى كونه مكاناً منبسطاً يساعد على إعداد الجيش ، و يسهل عمليات الكر و الفر ، دفاعاً و هجوماً ، فأمر " عقبة" أصحابه برسم الخطط ، و اختط أولاً "المسجد الجامع" ، و جعل دار الإمارة في قبليه ، ثم أخذ الناس ببناء الدور و المساكن و المساجد 0
و بعدما انتصر " حسان بن النعمان " على الكاهنة زعيمة البربر ( سنة  80هـ ) ، التفت إلى وضع أساس النظام الإداري لهذه الولاية الجديدة ، فوظف الخراج على الأراضي ، و دون الدواوين الدولية بإفريقية ، و جعل اللغة العربية لغة رسمية ، و وزع على صغار فلاحي البربر مساحات من الأراضي الدولية التي كانت فيما مضى ملكاً للحكومة البيزنطية ، و بإقرار البربر في الأرض و مساعدتهم على الكسب من الزراعة ،  استمال قلوبهم و قربهم من الإسلام ، حتى أتخذ منهم جيشاً عظيماً أعان العرب – فيما بعد -  على فتح المغرب و الأندلس ، وبذلك تعتبر ولاية " حسان " بحق مبدأ للفتح الإسلامي الحقيقي 0 
ومن الولاة الأمويين " عبيد الله بن الحبحاب " ، الذي قدم إلى أفريقية ( سنة 116هـ) ، وهو أول من نظر في تنظيم أسواق التجارة و الصناعة في " القيروان" ،  فكان سوق " القيروان " يمتد من الشمال إلى الجنوب و طوله من " باب أبي الربيع" إلى " باب تونس" ميلان و ثلث ، و كان سطحاً متصلاً فيه جميع المتاجر و الصناعات ، و كان أمر بترتيبه هكذا " هشام بن عبد الملك" في حدود (سنة 120هـ )  
كما أمر " هشام" عامله " ابن الحبحاب" بإنشاء فسقيات خارج سور المدينة ، تكون  سقايات لأهلها ، و مازال بعضها معروفاً إلى الآن بـ " فسقية هشام " قريباً من " فسقية الأغالبة" ، و كانت هذه المواجل  من المتممات الضرورية لتكامل عمران المدينة 0
و عين الخليفة العباسي " أبو جعفر المنصور " " محمد بن الأشعث" والياً على أفريقية ، فقاتل الخوارج و شرد الصفرية ، و دخل " القيروان" ( سنة 144هـ ) و بنى سورها من الطوب في عرض 17 ذراعاً ، وكمل في( رجب 149هـ ) ، وفي( عام 155 هـ ) زاد " يزيد بن حاتم المهلبي" في علو أسوار المدينة ، ورتب أسواقها و جعل كل صناعة في مكانها 0
2- القيروان في العصر الأغلبي :
قدم "هرثمة بن أعين" إلى "القيروان" والياً على إفريقيا ( سنة 179هـ ) ، من قبل الخليفة العباسي "هارون الرشيد" ،  فأمن الناس و جدد ما تخرب من المدن و الموانئ والمنشآت ليعيد ثقة الناس بالدولة العباسية 0
وكان "إبراهيم بن الأغلب" بولاية الزاب ، فأكثر من ملاطفة "هرثمة" و تقديم الهدايا له فولاه ناحية الزاب 0
و قد رأى "هرثمة" بإفريقيا الكثير من الاختلال فأشفق على سمعته ،  فاستعفي "الرشيد" من الولاية   وعاد إلى العراق ( عام 181هـ )0  
ثم أن "إبراهيم بن الأغلب" كاتب "الرشيد" طالباً تعيينه والياً على إفريقيا و اقترح عليه أن يتنازل عن المبلغ الذي كان يحمل من مصر سنوياً إلى إفريقيا و قدره مئة ألف دينار كنفقات للولاية ، و وعد بأن يحمل هو إلى دار الخلافة أربعين ألف دينار كل سنة ، فعينه"الرشيد" ، و جعل الولاية وراثية في عقبه ( سنة  184هـ ) 0
و بعد أن أنشا "إبراهيم" "العباسية" و جعلها عاصمة له ثار عليه "عمران بن مجالد" و ناصره أهل "القيروان" ، فهدم "إبراهيم" سور القيروان و قلع أبوابها ( عام 194 هـ ) 0
و عندما ثار " منصور الطنبذي" على " زيادة الله بن الأغلب"  دخل "القيروان"،  و عمر سورها الذي هدمه "إبراهيم بن الأغلب" ، وغلق أبوابها فناصره أهلها ، مما أغضب " زيادة الله" ، فجعل عقوبتهم فور مقتل "الطنبذي"( عام 211هـ )  أن هدم " سور القيروان" حتى الصقه بالأرض 0
أما "أحمد بن الأغلب" فقد انشأ "ماجل باب تونس" و" ماجل باب أبي الربيع"( عام 249هـ)0

3- تأسيس العباسية( العاصمة الأولى للأغالبة) :
لم يشأ "إبراهيم بن الأغلب" أن يقيم في "القيروان" التي كانت مقراً للولاة السابقين منذ الفتح الإسلامي فأنشأ ( عام 184هـ ) مدينة "العباسية" على بعد( 3 كم) إلى الجنوب من "القيروان" و جعلها عاصمة له ،  وبنى فيها قصراً كبيراًانتقل إليه ، وهدم دار الإمارة التي بناها "عقبة بن نافع" جنوبي"المسجد الجامع" بالقيروان .
وبنى في عاصمته الجديدة مسجداً جامعاً جعل له مئذنة مستديرة مبنية بالآجر والعمد سبع طبقات  0 
كما أنشأ حمامات كثيرة و فنادق و أسواقاً جمة و مواجل للماء ، و أحاطها بسور منيع ، جعل فيه خمسة أبواب 0
و اقطع "إبراهيم بن الأغلب" الدور لأهل بيته و أنصاره و مواليه ، وسمح لسائر الناس بتخطيط البيوت بالعباسية وهكذا جعل من مقر إقامته المحصن مركزاً سياسياً و إدارياً منيعاً ، نقل إليه من "القيروان"، دار الضرب ، ومصالح الحكومة ودواوينها ، ولم تكن لترجع إلى "القيروان" مدة الإمارة الأغلبية ، وفي عصر من خلفها في الأمر والحكم بإفريقيا 0
4- تأسيس رقادة ( العاصمة الثانية للأغالبة ):
و شاء "إبراهيم بن أحمد بن الأغلب" ( إبراهيم الثاني ) أن يتخذ لنفسه عاصمة جديدة – كما فعل "إبراهيم الأول" – فابتدأ (عام 263هـ ) ببناء " رقادة" ( على بعد 9 كم غربي القيروان ) ، وكمل بناء " قصر الفتح" فيها (عام 264 هـ)  فانتقل إليها من "العباسية" التي صارت تدعى منذئذٍ بـ " مدينة القصر القديم" ، و اتخذها داراً ووطناً ، وبنى فيها قصوراً عجيبة وجامعاً وأسواقاً وحمامات وفنادق ، وانشأ فيها آباراً و مواجل و أحاط كل ذلك بسور متين فيه سبعة أبواب عليها صفائح حديد وأقام خارجه ميداناً لسباق الخيل وعرض الجند في المناسبات و أقام في جانب من هذا الميدان مصلى العيدين 0
ونقل "إبراهيم الثاني" إلى " رقادة" دواوين الحكومة ودور الضرب و أنشا فيها دار الطراز و أقام فيها كبراء الدولة والقضاة والحاشية حتى صارت "رقادة" اكبر من "القيروان" 0
و كان " إبراهيم الثاني" مولعاً بالعلوم الرياضية و الفلسفية فانشأ " بيت الحكمة" تقليداً لبيت الحكمة    " ببغداد" ، و احتل "بيت الحكمة الرقادي" مكاناً بأحد قصور "رقادة" ، فجلب "إبراهيم الثاني" إليه من "العراق" و"الشام" و"مصر" علماء أجلاء من أطباء ورياضيين ومهندسين و موسيقيين ، وترأس العالم الرياضي "أبو اليسر الشيباني البغدادي" بيت الحكمة الرقادي 0

5- نقل مركز الإمارة إلى تونس :
كان عهد "إبراهيم الثاني" في سنواته الأولى عهد إصلاح و تقدم  و لكن اعتبارا من (عام 277هـ ) بدأ ينكل بالوزراء و الخاصة و الأطباء و الفتيان من الصقالبة ثم الزنوج ، فهاج الشعب وماج واندلع لسان الثورة في أنحاء كثيرة من البلاد 0
فأمر "إبراهيم الثاني" (عام 281هـ ) بأن تبنى له بـ" تونس" قصور وبساتين ،  فبنيت ،  وانتقل إليها مع أهل بيته و جميع قواده ومواليه ،  واتخذها دار ملكه ،  وأباحها لجنوده 0
وبالإضافي إلى" قصر الإمارة بالقصبة"، أنشأت قصور للتنزه في منبسط من مدينة " تونس" ، يسمى إلى اليوم  بـ "الخضراء" لكثرة ما توجد فيه من خمائل كثيفة للأشجار ، كانت سبباً في مدينة " تونس" بـ" تونس الخضراء"  وبتسمية احد أبواب المدينة بـ " باب الخضراء" لقربه من هذه الناحية 0
و عندما تسلم " زيادة الله الثالث" الحكم ( عام 290هـ ) انتقل إلى " رقادة" و بنى فيها " قصر البحر" و" قصر العروس"  (4 طبقات ) ، ثم خرج من " رقادة"( عام 296 هـ ) ليسلمها إلى " أبو عبد الله الصنعاني" القائم بدعوة العبيديين ( الفاطميين ) بالمغرب 0
6- تأسيس مدينة تونس:
كان بموقع مدينة " تونس" قرية صغيرة تدعى " ترشيش" فتحها " زهير بن قيس البلوي" ( عام    77هـ ) ، ثم أعاد فتحها " حسان بن النعمان الغساني" (عام 79هـ) و بنى مدينة " تونس" ، وبنى فيها مسجد هو "جامع الزيتونة" و خرج منها يتابع الفتح ، فأغارت عليها مراكب الروم و قتلوا من فيها فعاد إليها "حسان" 0                
ولما بلغ "عبد الملك بن مروان" ما حصل للمسلمين بـ "تونس" كتب لأخيه "عبد العزيز بن مروان" وهو والٍ على " مصر" أن يوجه لـ " تونس" ألف قبطي لأهله وولده وأن يحسن عونهم ، و كتب إلى "حسان" يأمره أن يبني لهم دار صناعة تكون قوة وعدة للمسلمين ، و أن يصنع بها المراكب و يغير منها على سواحل الروم 0
فوصل "القبط" إلى "حسان" وهو مقيم في " تونس" ، فأجرى البحر من " مرسى رادس" إلى دار الصناعة ،  وجعل فيها المراكب الكثيرة و أمر "القبط" بعمارتها 0
ثم إن "عبيد الله بن الحبحاب" جدد دار الصناعة في " تونس" وزادها تحصيناً 0

ثانياً - العمارة العسكرية:
1- أسوار المدن : بما فيها من أبواب و أبراج وهي شكل من أشكال العمارة العسكرية ، كسور "القيروان" ،  و"العباسية"  ، و" رقادة" ، و" سوسة" 0
2- دور الصناعة :  مثل دار الصناعة التي أنشأها " حسان بن النعمان" في " تونس" لبناء المراكب الحربية هي منشاة عسكرية 0
3- الأربطة:  والرباط منشاة عسكرية تنشأ قرب الساحل ، يقيم ( أي يرابط ) فيها المجاهدون المتفرغون للدفاع عن الوطن ، ويسمون بالمرابطين ، يقضون نهارهم بالعبادة وليلهم  بالحراسة ومراقبة الشواطئ  خوفاً من هجوم مباغت يشنه الأعداء ، ومن أهم هذه الأربطة :
أ- رباط المنستر : هو أول رباط أقامه العرب بإفريقيا أسسه الوالي "هرثمة بن أعين"( عام 180هـ) على غرار ما حصن به " الرشيد" الخليفة العباسي ثغور البلاد الإسلامية في الشرق ، وما زال قائما حتى الآن 0
 ويظهر أن الأغالبة قد نسجوا على منواله فجهزوا السواحل الإفريقية بعدد كبير من الرباطات ، فصارت الإشارة التي تنبأ بقدوم خطر على البلاد الإسلامية  تنتقل من" طنجة" إلى "الإسكندرية" في ليلة واحدة وذلك بإشعال النار في قمة منارة الرباط ( برجه المرتفع ) 0
و لقد هدمت الرباطات الأغلبية ، ولم يبقى منها سوى رباط سوسة 0
ب- رباط سوسة: أنشأه " زيادة الله بن الأغلب "( زيادة الله الأول) ، فعلى مدخل منارته الأسطوانية رخامة تذكارية كتب عليها بالخط الكوفي : " بسم الله الرحمن الرحيم بركة من الله مما أمر به الأمير " زيادة الله بن إبراهيم أطال الله بقائه ، على يد مسرور مولاه في سنة ست و مئتين اللهم أنزلنا منزل مبارك و أنت خير المنزلين " 0
و كان " زيادة الله " يفخر ببناء هذا الرباط و يعتبره من حسناته ، إذ كان يقول : " لا أبالي إن سألني الله ما قدمت عليه يوم القيامة وقد قدمت عليه بأربع ، قيل : وما هن ؟  قال : (  بنائي المسجد الجامع في القيروان – و بنائي القنطرة بباب أبي الربيع – و بناء الحصن بسوسة – و توليتي "أحمد بن محرز" قضاء إفريقية ) 0


الوصف المعماري:  
هو بناء مربع محصن يبلغ ( طول ضلعه  39 م تقريباً ) تدعمه ( 8أبراج ) واحد في كل زاوية ، و في منتصف كل ضلع يوجد برج ، و يشكل البرج القائم في منتصف الضلع الجنوبي مدخل للرباط ، كان يبرز عن الجدار بـ ( 3.17 م ) و يبلغ ارتفاع جدران البرج ( 8.5 م ) ، يشبه مخطط هذا الرباط ، مخطط قصر الحير الغربي ، فبالإضافة إلى شكله المربع المدعم بـ (  8أبراج) ، نجد أن الصحن محاط بأروقة من جهاته الأربعة ، خلفها غرف صغيرة للمرابطين سقوفها أقبية مهدية 0
تقوم غرف الطابق العلوي فوق غرف الطابق الأرضي ، في الجهات : الشرقية و الغربية و الشمالية ،
و يشكل سطح الأروقة شرفة أمام الغرف 0
أما في الجانب الجنوبي فقد أنشأ مسجد فوق غرف الطابق السفلي ، يتألف المسجد من مجازين ، في كل منهما (11فتحة ) عمودية على جدار القبلة ، وسقف كل منها قبو مهدي  0
و ينتصف المحراب فوق برج المدخل 0
المنارة : تقع المنارة في الركن الجنوبي الشرقي وهي برج دائري ، يبلغ قطره (   4.72م ) و ارتفاعه ( 15.38م ) فوق السطح الشرفة ( الأروقة) 0
ثالثاً – العمارة الدينية:  
1- جامع " عقبة بن نافع " ( الجامع الأعظم ) في "القيروان":
بنى " عقبة بن نافع " المسجد الجامع في قلب مدينة " القيروان" بين عامي ( 50- 55 هـ ) ، و ظل    " جامع عقبة " المسجد الجامع الوحيد إلى أن حول مسجد الزيتونة إلى مسجد جامع ( عام 783هـ ) 0 و ما زال جامع " عقبة " أكبر مسجد جامع في " القيروان" حتى الآن 0
امتد " جامع عقبة" منذ تأسيسه على مساحة واسعة ، وكان في هيئة هندسية معمارية متطورة ، حتى قيل : " لم يبني عقبة مدينة لها جامع، بل بنى جامعاً له مدينة" ولا يستبعد هذا لأنه عندما أسست مدينة "القيروان"  كانت عمارة المساجد في البلدان الإسلامية ، قد انتقلت من مرحلة التأسيس و التكوين ، إلى مرحلة إعادة البناء و التوسيع ،  بل و الزخرفة أيضاً 0
و لقد أجهد " عقبة بن نافع " نفسه في تعين قبلة المسجد ، لأن أهل المغرب سيضعون قبلتهم عليها ، فأقام و أصحابه ينظرون إلى مطالع الشتاء و الصيف من النجوم ، و مشارق الشمس ، إلى أن انتهى إلى وضع المحراب و اتجاه القبلة برؤيا رآها في منامه .
 لذلك قدس أهل القيروان محراب عقبة وحافظ عليه الولاة ومن أتى بعدهم0    
و جدد " حسان بن النعمان الغساني " ( سنة 84هـ) ، الجامع الأعظم و بناه بناء حسناً ، و حافظ على محراب " عقبة" ، و جلب له العمودين الأحمرين 0
أما " بشر بن صفوان" ، فقد كتب (سنة 105هـ) إلى الخليفة "هشام بن عبد الملك" يعلمه بأن المسجد يضيق بأهله ، وأن بـ "شماليه" بستان لقوم من " فهر" ، فأمره " هشام " بشرائه ، وأن يدخله المسجد ففعل ، و بنى في صحنه ماجلاً  ، وبنى المئذنة في بئر البستان , ونصب أساسها على الماء , واتفق أن وقعت في نصف الحائط الشمالي .
إذن في العصر الأموي , لا في العصر العباسي , وصل المسجد إلى مساحته التي هو عليها اليوم والتي تمتد من " محراب عقبة" إلى " مئذنة بشر" أي أصبح ممتداً من الشمال إلى الجنوب ، وهذا ما حتمته طبيعة الموقع الذي بني فيه ، وعدم وجود إمكانية لتوسيعه إلا في اتجاه الشمال .
وفي ( سنة 157هــ) هدم " يزيد بن حاتم المهلبي" " جامع عقبة" ، ما عدا المحراب ، وبناه .
وفي ( عام  221هــ ) جدد " زيادة الله بن الأغلب""جامع عقبة" وهم بهدم المحراب ، فعارضه أهل "القيروان" لما له من القدسية في نفوسهم ، فألح في ذلك ، فاقترح عليه أحد البنائين أن يدخل " محراب عقبة" بين حائطين ( حائط أمامه وحائط خلفه ) فلا يظهر في المسجد أثر لغير "زيادة الله" ، ويرضي في الوقت نفسه المعارضين ، فاستصوب رأيه 0
أما "أبو إبراهيم أحمد بن الأغلب" ، فلقد جدد قبة المحراب (عام 248 هـ) ، وأنشأ الرواق أمام القبلية.
وجعل سقف الفتحة وسطه قبة مماثلة ومناظرة لقبة المحراب ، كما كسا المحراب برخام أبيض مزخرف بزخارف نباتية جميلة ، جلبه من العراق ، وجلب من العراق أيضاً ألواح (القاشاني) التي كسا بها واجهة المحراب وجعل كسوة طاسة المحراب خشبية ، دهنت باللون الكحلي ، وزينة برسوم نباتية ذهبية اللون .
وجلبت " لأحمد بن الأغلب" أخشاب الساج من "بغداد" وعمل منها منبراً ، يتألف من ألواح مستطيلة ومثلثية عليها زخارف نباتية وهندسية تجمع بينها صفائح النحاس .
وما زالت حتى الآن قبة المحراب والمنبر والمحراب باقية ومحافظة على الوضع الذي أنشئت به أيام   " أحمد بن الأغلب" ، أما قبة البهو ( وسط الرواق الجنوبي ) فقد هدمت أثناء الترميمات التي أجريت (عام  1962م ) وأعيد بنائها ، وكانت قد هدمت قبل هذا التاريخ وجعلت محززة من الخارج ومعصبة من الداخل ، وبنيت بالآجر .
وتنسب المقصورة الموجودة حاليا إلى "المعز بن باديس" ( عام 406-440هــ ) ، وذلك استنادا إلى الشريط الكتابي بالخط الكوفي المحفور بأعلى سياج المقصورة ، ومما ورد فيه : " بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما ،  مما أمر بعمله أبو تميم المعز بن باديس بن المنصور سلام الله عليه وبركاته " ، ولكن هذه الكتابة لا تحدد بدقة تاريخ إنشاء المقصورة ، و أرى أنها كانت موجودة قبل ( صفر عام 438 هــ ) .
الوصف المعماري لجامع عقبة :
بّني " جامع عقبة" على مساحة من الأرض  تقارب أبعادها الوسطية من الداخل ( 118 × 66 م ) ، تمتد متطاولة من الشمال إلى الجنوب .
1- القبلية :  جنوبي الصحن ، أبعادها الوسطية من الداخل ( 70 ×  73.30 م ) ، وتتألف من ( 8 مجازات ) ، في كل منها ( 17  فتحة ) ، تشكل الفتحة الوسطى المجاز القاطع ، وهي أعرض من بقية الفتحات ،  فـ"جامع عقبة" أخذ المجاز القاطع الذي يتوسط القبلية ويصل بين بابها الأوسط والمحراب ، عن الجامع الأموي بـ" دمشق" ، إذ نجد بـ" جامع دمشق" أول مجاز قاطع في المساجد الجامعة في الدولة الإسلامية .
للقبلية( 3 أبواب ) : باب في الجدار الجنوبي من المقصورة إلى غرفة الخطيب فالشارع ، وباب في كل من الجدارين  الشرقي والغربية ، ويدعى الباب الشرقي " باب النساء" وهو أشهر أبواب الجامع ، إذ يتقدمه برج أنشئ  في العصر الحفصي ( عام 693 هـ ) ، زينت واجهاته بمحاريب وشرفات وتعلوه قبة آجرية محززة من الداخل والخارج ،  سقفت القبلية بسقف خشبي مربع يستند إلى أقواس حدوة الفرس الدائرية عمودية على جدار القبلية0
 2- الصحن : يمتد من الشمال إلى الجنوب ، متوسط  أطوال أضلاعه (67  ×50.50 م ) ، وتحيط به أربعة أروقة ، يتألف كل من الأروقة: الجنوبي والشرقي والغربي من مجازان , أما الرواق الشمالي فمن مجاز واحد ، سقوف الأروقة خشبية مربعة ، تستند إلى أقواس حدوة الفرس المدبب وكسيت واجهاتها بالحجارة ، للصحن ( 3أبواب) شرقاً ، و( 3 أبواب غرباً) يتقدم كل من الأبواب الغربية برج .
بنيت جدران الجامع كله من الآجر ودعمت الواجهات الخارجية بدعامات مستطيلة أبعادها مختلفة ونهاياتها منحدرة ، وكسيت دعامات الجدار الجنوبية بالحجارة .
ويوجد تحت أرضية الصحن عدة مواجل ( خزانات ) لتجميع مياه الأمطار وعادة استخدامها في غسيل الجامع ،  كما يوجد فيه مزولة  لضبط أوقات الصلاة .
3- المئذنة :  تقع شمالي الصحن وتتوسط الرواق الشمالي ، وتتألف من ( 3 أدوار) مربعة ، ارتفاعها الإجمالي (  31.50 م ) ، تنحدر جدران الدور السفلي باتجاه الأسفل فمتوسط طول ضلع المئذنة من الأسفل ( 10.60م ) ، ومن الأعلى (  10.10م ) ، كسي هذا الدور بالحجارة أبعاد حجارة المداميك السبعة السفلى كبيرة ، وأبعاد حجارة بقية الإكساء صغيرة مماثلة لأبعاد الآجر ، كما كسيت الجدران من الداخل بالحجارة .
في الجدار الجنوبي باب المئذنة نجفته وكتفاه من المرمر المحفور بزخارف نباتية ، وفوق نجفته قوس عاتق حدوة الفرس الدائري ، وفوق الباب( 3 نوافذ) تحيط بنجفتها أقواس عاتقة حدوة الفرس الدائري .
في الجدارين الشمالية والغربي نوافذ رفيعة كمرامي السهام ، ينتهي الدور الأول بشرفات نهايات نصف دائرية ، تتوسطها شقوق شاقولية .
 مقطع الدور الثاني من الأسفل إلى الأعلى وطوله الوسطي (  7.60 م ) ،  في كل ضلع ( 3 أقواس ) تزينية حدوة الفرس الدائري تستند إلى دعامات جدارية ، في الجداران الشمالي والغربي نوافذ رفاعية ، وفي الجنوب باب إلى الشرفة ,  بّني هذا الدور بالآجر وكسيت جدرانه من الداخل بالحجارة .
مقطع الدور الثالث مربع أيضاً  ، وطول ضلعه الوسطي ( 5.48 م ) ، في كل ضلع محرابان تزينيان بينهما قوس حدوة الفرس الدائري يستند إلى عامودين دائريين لكل طرف وفي أعلى كل ضلع ( خمسة محاريب )  تزينية قوس كل منها نصف دائري  ، تعلو الدور الثالث قبة آجرية محززة من الداخل والخارج .
فجامع عقبة أخذ من " الجامع الأموي"  بـ" دمشق"  كل من :
1-  المجاز القاطع 2- الأقواس حدوة الفرس الدائرية والمدبب 3- المئذنة المربعة 0
وأخذ من " المسجد الأقصى" بعد أن جدده الخليفة "المهدي"( عام 163هـ ) إثر زلزال (عام 158هــ)  الذي أدى إلى تهدمه :
1– فكرة الفتحات العمودية على جدار القبلية .
2-  كما أخذ عن الجامع الأقصى فكرة الرواق أمام القبلية 0
إذ كان"عبد الله بن طاهر" توفي (سنة 230هـ) قائد "المأمون" بنى رواق أمام أبواب قبلية " الجامع الأقصى " .
أما قبة المحراب في " جامع عقبة " فمتأثرة بالقباب العراقية و خاصة قبة قصر "الجوسق الخاقاني" .

2- جامع الزيتونة  ( في مدينة تونس ) :
ذكرنا أن " حسان بن النعمان" بنى مسجداً في " تونس" (عام 79 هـ ) و اتفق المؤرخون على أنه كان في الموضع الذي بني فيه " جامع الزيتونة" " شجرة زيتون" فنسب إليها 0
فعندما ولي " عبيد الله بن الحبحاب" على إفريقيا من قبل "هشام بن عبد الملك" ، هدم المسجد ووسعه وبناه جامعاً ضخماً ( عام 114هـ ) ، ثم عن "أحمد بن الأغلب" جدده و بنى له قبة المحراب وقبة البهو    ( عام 249هـ ) مماثلتين لقبتي " جامع عقبة بالقيروان"  0
وقد كانت مئذنته التي تقع في الجهة الشمالية الغربية من الصحن برجاً قديماً ، ثم زاد في ارتفاعه الأمير " محمد باي المرادي" (عام 1063هـ) ، فصار ارتفاعها ( 30 م ) 0  
 وتهدمت هذه المئذنة وسقطت  ،  فأعيد بناؤها على ما هي عليه اليوم ( عام 1309هـ ) 0
أما الرواق أما الواجهة الشرقية للجامع  ( خارجه ) الذي يصعد إليه بإدراج فقد بناه إمام الجامع الشيخ      " محمد البكري" ( عام 1037 هـ ) 0
1- جامع سوسة الكبير :
أنشأه الأمير الأغلبي " محمد الأول أبو العباس"(عام 236 هـ) ،  كانت القبلية الأصلية مؤلفة من ( 3 مجازات) في كل منها( 13 فتحة ) ، تشكل الفتحة الوسطى مجازا قاطعا ، فوق المحراب قبة مشابهة لقبة المحراب في جامع عقبة و لكنها ابسط منها ،أما سقوف بقية الفتحات فهي مهدية 0
وكان يحيط بالصحن ( 3 أروقة)  في الشرق و الغرب والشمال ، يمتد على واجهاتها ، و واجهة القبلية على الصحن شريط كتابي بالخط الكوفي يؤرخ الجامع 0
وسعت القبلية باتجاه الجنوب ، و أزيل المحراب الأصلي و انشات قبة أخرى فوق المحراب الجديد ، فصار للجامع قبتان ، وجعلت سقوف بقية الفتحات في القسم الجديد قبوا متقاطعاً 0
أما الرواق أمام القبلية فقد أضيف ( عام  1086هـ ) ،  يرتفع برج دائري قصير تعلوه قبة في الزاوية الشمالية الشرقية من الصحن ويصعد عليه بدرج من الصحن ، ولهذا البرج وظيفتان ، فهو للآذان( مئذنة) وللمراقبة وللحراسة ، إذ أقيم الجامع قرب باب البحر في الزاوية الشمالية الشرقية من المدينة ، كما يوجد برج آخرلا ينتهي بقبة  في الزاوية الجنوبية الشرقية من القسم  المضاف للقبلية ، يستعمل للحراسة أيضاً

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فن العمارة الإسلامية في العصر المملوكي والعثماني

العمارة في العصر المملوكي والعثماني أولاً – العمارة في العصر المملوكي : ظهرت في هذا العصر في القاهرة منشأت معمارية ضخمة ، هي أشبه بالمجمعات التي تمتاز بمساحتها الكبيرة وارتفاعاتها الشاهقة ، وتتألف غالباً من مدرسة وتربة وبيمارستان ، وتضم أحياناً سبيلاً وكتاباً أيضا ، ونذكر منها على سبيل المثال :  مجموعة السلطان قلاوون ،  مدرسة وخانقاه الأشرف برسباي ،  مدرسة ومسجد قايتباي ،    بينما لم   تشيد في بلاد الشام أبنية ضخمة ، بل كانت منشأت هذا العصر ، أصغر من منشأت العصور السابقة ، وسنقصر حديثنا على منشأت العصر المملوكي في بلاد الشام  تميزت منشأت هذا العصر في بلاد الشام بما يلي : 1- استمر الشكل التقليدي للمسجد : صحن جنوبيه القبلية وتحيط به أروقة من الشرق والغرب والشمال في معظم المساجد التي أنشئت في حلب وكذلك المدارس ، إذ صارت المدارس تستعمل كمساجد أيضا في هذا العصر ، أما في دمشق فقد ألغي الصحن في بعض المساجد والمدارس وسقفت في بعضها الآخر . 2- تفتح أبواب المنشآت ضمن إيوان سقفه في معظمها نصف ...

فن العمارة الإسلامية في العصر الأيوبي في مصر وبلاد الشام

العمارة الأيوبية في مصر وبلاد الشام اعتنى الأيوبيون ببناء المساجد والمدارس و الخانقاهات ، كما اهتموا ببناء القلاع و تحصين المدن بالأسوار و الأبراج الدفاعية ، بسبب حالة الحرب بينهم وبين الصليبين ، ويمكننا اعتبار فن التحصين في العمارة الأيوبية نهاية مراحل التطور في هذا المجال إذ لم يظهر أي تجديد ملحوظ في العهود اللاحقة ، فالمنشآت الأيوبية العسكرية نموذج لأرقى ما وصل إليه هذا الفن على المستوى العالمي ، وليس على نطاق الحضارة الإسلامية   فقط ، يمكننا أن نوجز أهم خصائص العمارة الأيوبية في ما يلي : 1-    التقشف وعدم الإسراف في الزخرفة ، بسبب الحرب مع الصليبين 0 2-    القوة وإتقان التخطيط والبناء ، ودقة النسب ، مع ضخامة المنشآت بالنسبة للعصور السابقة 0 3-    الاعتماد على الحجر المنحوت بأبعاد كبيرة كمادة أساسية في الواجهات و الأعمدة وتيجانها ، وأحياناً في القباب والأقبية 0 4-    ظهورالأروقة بالإضافة إلى الأواوين في المدارس وخاصة في حلب ، وهذا تطور جديد لم يستعمل من قبل . 5-    اعتماد التسقيف على القباب لدر...

فن العمارة الإسلامية في العصر السلجوقي والزنكي والفاطمي

آثار السلاجقة و الزنكيين                          تبدأ هذه الفترة من ظهور السلاجقة و سيطرة " طغرل بك " على " بغداد" ( عام 447هـ ) ، ( وكان قد أقام دولة في " خراسان" (عام 429هـ ) ، إلى نهاية الحكم الزنكي و قيام الدولة الأيوبية (عام569هـ ) ، وقد أقيمت دولة تابعة للسلاجقة في " بلاد الشام" ( عام 458هـ ) 0 و ابتدأ حكم الزنكيين باستيلاء " نور الدين زنكي " على " دمشق" ( عام549 هـ ) 0 ادخل السلاجقة إلى بلاد الشام ومصر صنوفاً كانت شائعة في الشرق ولاسيما في فارس و العراق 0 و ظهرت في عهدهم المدرسة كمؤسسة ثقافية ومعمارية جديدة عامة ، وقد كانت قبل عهدهم مؤسسة خاصة ، كما شيدت في عهدهم الخانقاهات كمنازل للصوفية   ، و البيمارستانات لتقوم بدور المستشفيات ومدارس الطب وغير ذلك من الأبنية العسكرية كالقلاع و أسوار المدن 0 حدث تطور ملحوظ في هذا العصر على فنون العمارة  ، وظهرت عناصر جديدة في مجال التخطيط والإنشاء والزخرفة ، مما أعطى للعمائر مظهراً...