التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تاريخ الدولة العثمانية المحاضرة السادسة

المحاضرة السادسة      
في الفن والصناعات الفنية في الدولة العثمانية

1 – في فن التصوير ( الرسم ) و المنمنمات :
للرسوم الإسلامية طابع خاص يرجع بالأساس إلى تعاليم الدين و روحه وجوهره ، إذ أن الدين الإسلامي يحرم تصوير الكائن البشري في بعض النصوص و يحجر على الرسم المشابه للكائن الحي ، 
 أما إذا ما حذف الفنان خاصية التشابه ومثل برسومه مفهوم الكائن الحي دون تحديد لهويته ، فإنه في ذلك لا يقع في مغبة التحريم ، ولا يضطر إلى مخالفة الشريعة ، وذلك إذا ما امسك عن رسم الظلال – أي البعد الثالث – كي لا يقع في مغبة التجسيم .
ولما كان رسم المناظر الآدمية أو الحيوانية يوقع الفنان في مشاكل عدة لجأ ليعوض عن ذلك إلى الرسوم الهندسية و الرسوم الكتابية . 

من هذه المقدمة ندخل إلى فن التصوير عند العثمانيين هذا الفن تأثر تأثراً بالغاً بالتصوير الإيراني ، وذلك لظهور الروح الإيرانية على الصورة و الرسوم العثمانية منذ الربع الأول من القرن الثالث عشر . 

ويعود تطور الرسم في إيران إلى مدرسة في هذا الفن كانت قد ارتقت منذ عهد التيموريين ، وكانت في نهاية عهدهذه الدولة التي سقطت في أوائل القرن السادس عشر بيد الصفويين،كانت هذه المدرسة ترعى من قبل فنان يعرف باسم " بنهزاد" الذي أعطى الفن التصويري ميزة حين أخرجه من التصوير التقليدي المالؤف إلى تصوير مظاهر الحياة عند العامة ، حيث أخذ يحشد في صوره أعداد كبيرة من الأشخاص لإظهار الفعاليات الحياتية للناس ، 

ثم أنه بعد أن سيطر العثمانيون على أجزاء من إيران رحل جزء من المصورين إلى الدولة العثمانية ، ولعبوا دوراً مهماً في تطوير مدارس التصوير عند العثمانيين حيث قدم إلى البلاط العثماني " شاه قولى" أحد أكبر الفنانين المبدعين في إيران، واحتل مكان الصدارة في البلاط العثماني ، ثم جاء آخرون لتظهرالشخصيةالإيرانية علىالفن العثماني المشبع بروح أوغوزية و سلجوقية و البيزنطية . 

و أبرز مثال على التصوير العثماني _ الصور التي رافقت مخطوطة " سليم نامه " ( كتاب سليم ) هذه المخطوطة التي زينت بأربع وعشرين صورة منمنمة صورت السلطان " سليم الأول " في معظم فتوحاته و أظهرت تفصيلات مهمة عن ألبسة الجند و حركاتهم

وفي عهد السلطان "سليمان القانوني"برز الفنان " مطرقي نصوح " فدفع بالرسم العثماني إلى الأمام ، وذلك حين قدم مجموعة من الصور رافقت مخطوطة " سليمان نامه " ( كتاب سليمان ) و مخطوط " منازل السفر إلى العراقيين " مع ظهور التأثر بالفن الإيراني ، ثم تطور هذا الفن في عهد السلطان " مراد الثالث " فظهرت مجموعة من الفنانين وشت بالمنمنمات مخطوطات عديدة مثل مخطوطة " " هنر نامه " ( كتاب الفن ) . 

ثم شهد التصوير العثماني تطوراً على يد المصور " حسن باشا " الذي عاش في الربع الأول من القرن السابع عشر الميلادي ، وذلك حين أضفى المزيد من التنوع على منمنماته التي رافقت مخطوطة " شاه نامه " ( كتاب الملوك ) ، ثم أتى المصور" لوني"  ليمثل آخرالمصورين المبدعين ، فقدم نموذجات للصور في مخطوطة " سر نامه " ( كتاب الأسرار) في / 137 / منمنمة ، صورت الأعياد بتكوينات انسيابية وألوان عذبة وبموته قبل نهاية الربع الأول من القرن الثامن عشر الميلادي ، تراجع فن المنمنمات العثماني ، ليظهر فن آخر في تصوير الشخصيات متأثراً بالتصوير الأوربي الشبيه بصور أوربة في عصر النهضة  .

2 – في فن الخط :
تطور الخط عموماً منذ أن قامت الدول العربية والإسلامية ، و ولدت خطوط عبر التاريخ ليصل هذا الفن في العصر العثماني إلى قممه ، ولقد برع في هذا الفن سبعة خطاطين اعتبروا أساتذة الخط العثماني في القرن السادس عشر الميلادي ،

 إذ لم تقتصر جهود الخطاطين على تجويد الخطوط المعروفة كالخط النسخي و الريحاني والثلث بل مزجوا بين خطي الثلث والنسخي واستنبطوا خط الرقعة ، الذي سرعان ما انتشر في كافة الأنحاء ثم ما لبث الخطاط العثماني أن استعار من الخطاط الصفوي خط الـ" نستعليق"

حيث ضلع فيه أيضاً الفنان العثماني ، وغدا له فيه مذهب أطلق عليه خط " نستعليق عثماني " وكان لشدة ولع العثمانيين بالخط أن جنح خطاطوه إلى تقديم لوحات تشكيلية من الحروف .
ثم آتى اكتشافهم " للخط الغباري " إلى الحد الذي جعل أحدهم يكتب القرآن بأثره على بيضة واحدة . 

وقد اهتم العثمانيون بـ " الطغراء " وقدمت منه نمازج رائعة تكاد تكون أجمل ما خلفه ديوان الدولة العثمانية . 

3 – في فن التجليد و التذهيب :
 يعتبر فن التجليد من فنون الكتاب المتممة لعملين الكتاب و الرسام ، والجلد يحفظ الكتاب من التلف
ويعتني بمظهره الخارجي وقد تطورهذا الفن ووصل إلى ما وصل إليه في عصرالدولة العثمانية لتضيف إليه شيئاً جديداً،وذلك حينما أخذ العثمانيون يعتنون بهذا الفن متأثرين بالإيرانيين والمصريين معاً . 

والقفزة النوعية التي حققها العثمانيون في هذا المضمار ابتكارهم لطريقة جديدة استبدلوا فيها جلود الحيوانات بالحرير والمخمل ، ونوعوا خطوط التطريز مستخدمين الألوان الزاهية بالإضافة إلى خيوط ذهبية ومفضضة ، حيث أطلق على هذه الطريقة " سردوز" ( المخيط) . 

4 – في فن صناعة النسيج :
تأثر العثمانيون في هذه الصنعة بالسلاجقة مباشرة ، ثم ما لبث أن تطورت هذه الصناعة تطوراً ملحوظً  وغدت " بورصة" العاصمة قبل " استنبول" المركز الرئيسي لهذه الصناعة ، لتنتج المصانع العثمانية منسوجات مشابهة للمنسوجات الإيرانية مثل الحريرالمقصب الذي يعرف بـ "ديباج" والمخمل المقصب، 

وكان الإنتاج العثماني من الحرير المنسوج ينافس المنسوجات الحريرية الأخرى في الأسواق الأوربية، ولم يقتصر تأثر النساج العثماني على ما استعاره من السلاجقة بل تأثر بأساليب النسج الدمشقي و راح ينسج على غرار قماش " الدامسكو " ( الدامسقو ) – وهو نسيج حريري تكون زخارفه من لون القماش ومنسوجة فيه - ، ثم ما لبث النساج العثماني أن ابتكر نوع جديد من المنسوجات أطلق عليه اسم"آلاجا". 

وقد مثل عصر السلطان " سليمان القانوني" قمة عصور النسيج المثمن حيث يحتفظ قصر " توب قابو سراى " بمجموعة من ألبسة السلاطين أجملها على الإطلاق ألبسة السلطان " سليمان القانوني" ، وقد استمرت المناسج العثمانية في تقدمها في القرن / 17م/  و القرن /18م/ ، وتميزت زخارفها باستخدام الأشكال المزهرة و المشجرة ، كما استخدم في تطريزهذه الزخارف "غرزة الرفه" على النسيج الكتاني ، و" الغرزة البارزة" على الحرير ، وأجمل منسوجات الدولة العثمانية هي التي كانت تنسج في محارف مدن ( بورصة – استنبول – حلب -  دمشق ) . 

5 – في فن السجاد و زخارفه :
بدأت صناعة السجاد وعموماً في آسيا الوسطى و السلاجقة هم الذين نقلوا هذه الصناعة إلى الأناضول
و إيران ومصر و بلاد الشام ، ولما كان العثمانيون ورثة السلاجقة التركمان فقد امتازت سجاجيدهم بزخارف جامدة صفراء موزعة ضمن ترتيب هندسي على أرضية صفراء أو على أشكال مثلثات أو مربعات مع وجود سجاجيد باللون الأزرق والأحمر ، وكما تأثرت السجاجيد العثمانية بالسمات السلجوقية.

فقد تأثرت في القرن السادس عشر بالسمات المملوكية،إذ أن النساج في مصر وبلاد الشام تميز بصناعة سجاجيد تميزت بالأشكال المربعة التي تظهر السجادة وكأنها لوحة من الشطرنج .  

و رغم أن محارف الأناضول كانت تكثر بالنساجين الأتراك ، إلا أن الدولة العثمانية كانت ترفد هذه المحارف باستحضار مجموعة من معلمي السجاد المصريين .
وفي نوع ثالث من السجاد العثماني تظهر الزخارف عليه وهي عبارة عن " جامة" كبيرة بيضوية الشكل تتوسط السجادة وتتركز أجزاء من هذه الجامة في أركانها مع وحدات من الزخارف الأخرى .

و يلحق بهذا النوع نوع أخر تتكون زخارفه من أشكال نجمية موزعة في صفوف على أرضية السجاد عليها تفريعات نباتية و أزهار صغيرة على أرضية حمراء قريبة الشبه بالسجاد الإيراني ، وذلك لاهتمام النساج العثماني بالأشكال الهندسية في حين تميز السجاد الإيراني بالأشكال النباتية .  

6 – في فن الخزف والأواني الخزفية :
تعتبر الخزفيات من أهم الفنون التطبيقية الإسلامية لأن الخزف عموماً فضل على بقية الأواني المصنوعة من المعادن لسببين : 
الأول: جمال مظهر الخزف عموماً ولسهولة تنظيفه .
الثاني : تناسب هذا النوع من الأواني مع تعاليم الدين الإسلامي  .

ويمكن تعريف الأواني الخزفية بأنها تلك الأواني المصنوعة من الفخار المزجج .
ولقد تطورت صناعة الخزف حيث استطاع الخزاف أن يستنبط عدة أنواع منه كالميناء الذي تشتمل زخارفه على رسوم آدمية وحيوانية و نباتية . 

هذا وقد كانت الخزفيات العثمانية العائدة إلى فترة ما قبل القرن / 16 م/ على مستوى واضح من حيث الجودة و الفن،إذ لم تزدهر هذه الصناعة إلا بعد القرن السادس عشر الميلادي ، إذ تعددت ورش الخزف بعد أن كانت مقتصرة على"أزنيك" و"استنبول" ليضاف إليها "دمشق"و"رودوس" وغيرها من الأماكن  
 
ولقد تأثر الخزاف العثماني بالأسلوبين الصيني و الشامي ولقد عثر في دمشق على أواني خزفية يعتقد أنها صنعت في "أزنيك" ثم ما لبث الخزف العثماني أن تميز بسمة خاصة، حيث سادت على زخارفه التعبيرات المزهرة الكبيرة كزهرة القرنفل و قرن الغزال و السوسن و العنب ، 

كما استخدمت فيه ألوان جديدة بالإضافة إلى اللون الأزرق مثل اللون الفيروزي و الأخضر و البنفسجي و الأحمر الداكن مع خطوط سوداء لتحديد الزخارف .
كما ابتكر نوع من الخزف الأحمر صنع من التفل الأرمني يظهر فوق سطح الإناء في طبقة سميكة تحت الدهان أقتصر سر صناعته على الخزافين العثمانيين وقد حاول غيرهم تقليد هذا النموذج إلا أنه فشل .   

7 – القاشاني :
تعبير يطلق على البلاطات الخزفية نسبة إلى " قاشان" الإيرانية والغرض منها تغطية جدران المباني
وأرضيتها ،وقد استخدم بكثرة في العصر الصفوي في إيران .

ولقد بدأت صناعة القاشاني في نهاية القرن/14م/ في مدينة "بورصة" وتطورت في القرن/15م/ كالتي وجدت في جامع السلطان "مراد" في "أدرنة" العائدة إلى سنة (1433م) ،وفي القرن/16م/ طغت على القاشاني العثماني الروح الإيرانية المشبعة بالسمات التي سادت في بداية العهد الصفوي 

ثم بلغ هذه الصناعة ذروتها في النصف الثاني من القرن/16م/ حين ظهر القاشاني في " أزنيك " و" نيقية" على طراز جديد مزين بزخارف نباتية لم تكن معروفة حتى لدى الإيرانيين ، لتظهر الخزاف العثماني على أنه أستاذ من أساتذة هذه الصنعة ،وذلك حينما جعلوا الزخارف تحت ظلال شفاف واستخدم لأجل ذلك اللون الأزرق الزهري و الأخضر الفيروزي و الأحمر الزاهي ، الذي ميز البلاطات لخزفية العثمانية

وقد ظلت صناعة القاشاني إلى نهاية القرن/17م/ تستأثر بها مدينة"أزنيك"إلا أنه في بداية القرن /18م/ 
أخذت تتدهور صناعته ثم انتقلت إلى مدينة "كوتاهيه" لكن دون المستوى الذي كان يصنع في"أزنيك" في القرنيين / 16- 17 م /

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فن العمارة الإسلامية في العصر الأيوبي في مصر وبلاد الشام

العمارة الأيوبية في مصر وبلاد الشام اعتنى الأيوبيون ببناء المساجد والمدارس و الخانقاهات ، كما اهتموا ببناء القلاع و تحصين المدن بالأسوار و الأبراج الدفاعية ، بسبب حالة الحرب بينهم وبين الصليبين ، ويمكننا اعتبار فن التحصين في العمارة الأيوبية نهاية مراحل التطور في هذا المجال إذ لم يظهر أي تجديد ملحوظ في العهود اللاحقة ، فالمنشآت الأيوبية العسكرية نموذج لأرقى ما وصل إليه هذا الفن على المستوى العالمي ، وليس على نطاق الحضارة الإسلامية   فقط ، يمكننا أن نوجز أهم خصائص العمارة الأيوبية في ما يلي : 1-    التقشف وعدم الإسراف في الزخرفة ، بسبب الحرب مع الصليبين 0 2-    القوة وإتقان التخطيط والبناء ، ودقة النسب ، مع ضخامة المنشآت بالنسبة للعصور السابقة 0 3-    الاعتماد على الحجر المنحوت بأبعاد كبيرة كمادة أساسية في الواجهات و الأعمدة وتيجانها ، وأحياناً في القباب والأقبية 0 4-    ظهورالأروقة بالإضافة إلى الأواوين في المدارس وخاصة في حلب ، وهذا تطور جديد لم يستعمل من قبل . 5-    اعتماد التسقيف على القباب لدر...

فن العمارة الإسلامية في العصر المملوكي والعثماني

العمارة في العصر المملوكي والعثماني أولاً – العمارة في العصر المملوكي : ظهرت في هذا العصر في القاهرة منشأت معمارية ضخمة ، هي أشبه بالمجمعات التي تمتاز بمساحتها الكبيرة وارتفاعاتها الشاهقة ، وتتألف غالباً من مدرسة وتربة وبيمارستان ، وتضم أحياناً سبيلاً وكتاباً أيضا ، ونذكر منها على سبيل المثال :  مجموعة السلطان قلاوون ،  مدرسة وخانقاه الأشرف برسباي ،  مدرسة ومسجد قايتباي ،    بينما لم   تشيد في بلاد الشام أبنية ضخمة ، بل كانت منشأت هذا العصر ، أصغر من منشأت العصور السابقة ، وسنقصر حديثنا على منشأت العصر المملوكي في بلاد الشام  تميزت منشأت هذا العصر في بلاد الشام بما يلي : 1- استمر الشكل التقليدي للمسجد : صحن جنوبيه القبلية وتحيط به أروقة من الشرق والغرب والشمال في معظم المساجد التي أنشئت في حلب وكذلك المدارس ، إذ صارت المدارس تستعمل كمساجد أيضا في هذا العصر ، أما في دمشق فقد ألغي الصحن في بعض المساجد والمدارس وسقفت في بعضها الآخر . 2- تفتح أبواب المنشآت ضمن إيوان سقفه في معظمها نصف ...

تاريخ أوربا في العصور الوسطى المحاضرة الأولى

تاريخ أوربة في العصور الوسطى المحاضرة الأولى          - يطلق اصطلاح العصور الوسطى على الفترة الزمنية التي تمتد من القرن الرابع الميلادي إلى القرن السادس عشر الميلادي . واختلف المؤرخين حول تحديد بداية العصورالوسطى ونهايتها، فبعضهم يرى أن بداية العصورالوسطى (سنة 476 م) وهو تاريخ سقوط "روما" بأيدي "البرابرة الجرمان" والبعض من يعتبر العصورالوسطى ( سنة 330 م ) وهو تاريخ بناء مدينة " القسطنطينية" ، والبعض أيضاً يعتبر ( سنة 395 م ) بداية العصورالوسطى وفي هذا التاريخ انقسمت فيه الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين شرقي وغربي ، والبعض الآخر من يحدد بداية العصور الوسطى مع انتشار " المسيحية" ، والبعض الآخر يعتبر فترة "الغارات البربرية" و تشكل " الممالك الجرمانية " هو بداية العصور الوسطى . أما نهاية العصور الوسطى فيحددها البعض بـ( سنة 1453 م ) وهو تاريخ سقوط بيزنطة بأيدي الأتراك العثمانيين . وأيضاً يحدد البعض نهاية العصور الوسطى ب( سنة 1492 م ) تاريخ اكتشاف"أمريكا" ، والبعض من يحدد نهاية العصور الوسطى في ...