التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تاريخ الدولة العثمانية المحاضرة التاسعة

المحاضرة التاسعة
عوامل سقوط الدولة العثمانية

إن الضعف السياسي والعسكري والاقتصادي والعلمي والأخلاقي والاجتماعي وتشابكه مع مطامع الدول الأوربية في اقتسام تركة الرجل المريض ( الدولة العثمانية) مدعوماً بالغزو الفكري و الاقتصادي لدول أوربا ، كل هذا جعل السلطنة العثمانية تزول بلا رجعة على الرغم من الجهود التي بذلت لإبقائها على قيد الحياة . 

حيث يمكن تقسيم العوامل التي أدت إلى سقوط الدولة العثمانية إلى مجموعات منها

أولاً – انهيار القيم السياسية في الدولة : 

1-إذ أنه بعد السلاطين العشرة الأوائل ابتعد من خلفهم عن ممارسة السلطة فقد كان السلاطين بدءً من الأمير"عثمان" إلى السلطان"سليمان القانوني" قادة للجيش ، وعلاوة على ذلك كانوا المعنيين بتسيير شؤون الحكم بأنفسهم ، ثم كان احتجاب من خلفهم من السلاطين وعدم ممارستهم السلطة واتكالهم على وزراء جّهال أو طامعين أومدسوسين أن دق أول إسفين في بداية نهاية الدولة العثمانية . 

2-على الرغم من أن الدولة العثمانية حظيت بمجموعة كبيرة من الصدور العظام اللذين عملوا على تسيير شؤونها و سهروا على تطبيق أنظمتها إلا أنها ابتليت بمجموعة من الوزراء تظاهروا بالإسلام وأسدوا للغرب عموماً خدمات ضخمة عملت على إسقاط الدولة العثمانية . 

3-كان لزواج السلاطين بالأجنبيات و تسلطهن على عواطف أزواجهن و تصريفهن شؤون الحكم لصالح بلادهن الأصلية أن دق إسفين آخر في إسقاط هذه الدولة . 

4-إن تدخل نساء القصر في السياسة عموماً و رفع بعض الخدم إلى أعلى المراتب ، كل هذا أدى إلى ضعف العاملين في المجال السياسي خصوصاً ممن يتخذ القرار . 

5-كان لغرق السلاطين و أصحاب المناصب بالملذات و الترف ، أن بددت أموال الدولة ، وابتعد أصحاب صنع القرار عن اتخاذ القرار . 

6-كانت الحروب و التحالفات التي سعت إليها كافة دول أوربة وبلا استثناء ، وعدم صمود و ثبات السلطنة أمام هذه التحالفات خصوصاً في القرنيين / 18 – 19 م / أن أخذت سياسة الدولة بهذا الشأن تنهار يوماً بعد يوم لصالح الدول الطامعة . 

ثانياً – انهيار القيم العسكرية وعدم استجابة الجيش العثماني للتحديث 
علاوة على فساد نظام الإنكشارية مع مرور الأيام إلى الحد الذي جعل قواد الإنكشارية أصحاب حل وعقد ، ومن شدة تجبرهم  قتلوا بعض السلاطين .
ثالثاً – عدم الاهتمام بالبحرية العثمانية الاهتمام الكافي خصوصاً بعد معركة" ليبانت" اليوناني(1571م) حيث زالت منذ ذلك التاريخ سيادة العثمانيين على البحرالمتوسط ، أضف إلى ذلك فقد كانت هذه المعركة نقطة عطف أخذت من خلالها البحرية العثمانية تؤول إلى الزوال . 
رابعاً – انهيار قيمة العملة العثمانية :
إن انهيار قيمة العملة العثمانية وحجم الإمتيازات الضخمة التي أعطيت للتجار الأوربيين أن دقت أسافين متعددة عجلت يوماً بعد يوم في انهيار الدولة عموماً .

 وفي تفصيل ذلك فقد كان لتدفق المعادن الثمينة من أمريكا على المتوسط ، والتي قدرت بين عامي ( 1550 1650 م ) بـ( 16 ألف طن ) من الذهب و( 180 ألف طن ) من الفضة ، بعد أن كانت كميته قبل هذا التاريخ تقدر بـ( 5 آلاف طن ) من الذهب ، و( 60 ألف طن ) من الفضة .

 كل هذا جعل قيمة العملة العثمانية أقل من قيمتها مما أضعف قوتها الشرائية ومن ناحية أخرى فقد قللت الإمتيازات التي منحت للتجار الأوربيين من شأن تجارة الترانزيت وقيمة الجمارك ثم تبع ذلك بأن أنشأ هؤلاء التجار وكالات تجارية غدوا من خلالها شركاء حقيقيين في التجارتين الدولية و الداخلية في بلاد السلطنة وغدا أيضاً قسم ضئيل من رعايا الدولة ( يهود –  أرمن – يونانيين ) المستفيد من دخل التجارة عموماً ، حيث بعد أن وطد هؤلاء علاقتهم مع الغرب مزجوا بين التجارة و السياسة وشكلوا ضغوطاً على الدولة جعلتها تخضع لهم في كثير من الأحيان . 

خامساً – انهيار القيم التشريعية للدولة : وذلك حين أخذت مؤسسة مشيخة الإسلام تصدر فتاويها لصالح المتنفذين في البلاد وتبرير كافة أخطائهم مما جعلها تقف في أعالي الهرم الاجتماعي من جهة و تتدخل في شؤون الحكم دعماً لمصالحها من جهة أخرى .
سادساً – سوء نظام الالتزام الذي اعتمدته الدولة :
إذ كانت الضرائب قبل عهد السلطان " محمد الفاتح" تجبى بشكل مباشر و بواسطة جباة هم من موظفي الدولة وعمالها ، وكان هذا يستلزم جهازاً بشرياً ضخماً ، لهذا السبب نشأ نظام الالتزام ، حيث ألزمت الدولة من خلال هذا النظام جبي مبالغ محددة سلفاً،إلا أن مسلك الملتزمين في حصولهم على أموال تفوق حجم الالتزام انعكس سلباً على رعايا الدولة ، وهذا ما أصل الثغرة بين السلطة الحاكمة و المحكومين . 
سابعاً – إن سوء الأنظمة و القوانين دعت المتنورين إلى إطلاق نماذج كثيرة للإصلاح سرعان ما استغلها من يرى في الغرب المثال الذي يجب أن يحتذى من جهة ، و الماسونية وطروحاتها من جهة أخرى ، وهذا ما أدى إلى صدور خطا ( كلخانه – همايون ) اللذين توجا بدستور " مدحت باشا" ( سنة 1876 م ) حيث  وضعت هذه الحركة التي عرفت بحركة التنظيمات،الدول العثمانية على طريق نهايتها
حيث علمنت القوانين في المجالات كافة . 

- الماسونية : جمعيات سياسية اجتماعية ترفع شعارات حرية المساواة ، وما إلى ذلك من الشعارات الإنسانية ، تعمل على دمج الديانات مع بعضها البعض ، لكنها في الأصل وفي حقيقتها جمعيات تتبنى الفكر اليهودي وتستند إلى التوراة ، تجذب الناس إليها ضمن شعارات وهمية براقة ، وتعمل في الخفاء لدعم اليهودية العالمية و إنشاء دولة اليهود من الفرات إلى النيل وبناء هيكل " سليمان عليه السلام". ومن شعاراتها ( المثلث و المدور و الهرم ) كناية عن إعادة بناء هيكل " سليمان"  إشارة إلى أن اليهود بنوا الأهرامات وسموا أنفسهم بتسميات شتى منها " المهندسين الأحرار" ، و " جمعيات روتارى" ، و"جماعة يهوه" ، والماسونية منتشرة في كافة أرجاء العالم الإسلامي وتورط بها الكثير من رجال الفكر والسياسة المسلمين ، ومنهم من انسحب منها عندما أدرك أهدافها ، ومنهم من استمر فيها خوفاً من القتل  لأن من الشروط الانتساب إليها أن يقتل الشخص إذا أراد الانسحاب . 

ثامناً – كان لتفشي الفساد و الرشوة في أجهزة الدولة الدور المؤثر في انهيارها ، فقد أدى ذلك إلى إعلان العصيانات المتكررة خصوصاً بعد أن أصبح اليهود قوة ضاربة في إدارات الدولة . 

تاسعاً – كان للدور الفاعل الذي قام به يهود الـ" دونمه" في الإجهاز على الدولة العثمانية ، فعلى الرغم من أن هذه الفئة لوحقت في عهود عدة سلاطين وعلى رأسهم السلطان " عبد الحميد الثاني" إلا أنها استطاعت عبر دعاتها " الماسون" ودعواتها إلى الحرية و الديمقراطية أن تنشر الشقاق بين عناصر الدولة العثمانية وصفوف الجيش .
عاشراً – كان للدور المهم الذي قام به الحلفاء وعلى رأسهم الإنكليز بعد انتصارهم في الحرب العالمية الأولى ومن خلفهم اليهودية العالمية أن دفع بـ"مصطفى باشا أتاتورك" نحو الزعامة ، الذي استطاع بدوره أن يعلن نهاية السلطنة العثمانية وأن يضرب بعرض الحائط بثقافتها حين ألغى الكتابة بالأحرف العربية بحجة التقدم ، مما أهلك ثقافة تراكمت عبر /6 قرون/ أو جعلها أسيرة رفوف المكتبات في الجمهورية التركية التي أعلنها بعد ذلك .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فن العمارة الإسلامية في العصر الأيوبي في مصر وبلاد الشام

العمارة الأيوبية في مصر وبلاد الشام اعتنى الأيوبيون ببناء المساجد والمدارس و الخانقاهات ، كما اهتموا ببناء القلاع و تحصين المدن بالأسوار و الأبراج الدفاعية ، بسبب حالة الحرب بينهم وبين الصليبين ، ويمكننا اعتبار فن التحصين في العمارة الأيوبية نهاية مراحل التطور في هذا المجال إذ لم يظهر أي تجديد ملحوظ في العهود اللاحقة ، فالمنشآت الأيوبية العسكرية نموذج لأرقى ما وصل إليه هذا الفن على المستوى العالمي ، وليس على نطاق الحضارة الإسلامية   فقط ، يمكننا أن نوجز أهم خصائص العمارة الأيوبية في ما يلي : 1-    التقشف وعدم الإسراف في الزخرفة ، بسبب الحرب مع الصليبين 0 2-    القوة وإتقان التخطيط والبناء ، ودقة النسب ، مع ضخامة المنشآت بالنسبة للعصور السابقة 0 3-    الاعتماد على الحجر المنحوت بأبعاد كبيرة كمادة أساسية في الواجهات و الأعمدة وتيجانها ، وأحياناً في القباب والأقبية 0 4-    ظهورالأروقة بالإضافة إلى الأواوين في المدارس وخاصة في حلب ، وهذا تطور جديد لم يستعمل من قبل . 5-    اعتماد التسقيف على القباب لدر...

فن العمارة الإسلامية في العصر المملوكي والعثماني

العمارة في العصر المملوكي والعثماني أولاً – العمارة في العصر المملوكي : ظهرت في هذا العصر في القاهرة منشأت معمارية ضخمة ، هي أشبه بالمجمعات التي تمتاز بمساحتها الكبيرة وارتفاعاتها الشاهقة ، وتتألف غالباً من مدرسة وتربة وبيمارستان ، وتضم أحياناً سبيلاً وكتاباً أيضا ، ونذكر منها على سبيل المثال :  مجموعة السلطان قلاوون ،  مدرسة وخانقاه الأشرف برسباي ،  مدرسة ومسجد قايتباي ،    بينما لم   تشيد في بلاد الشام أبنية ضخمة ، بل كانت منشأت هذا العصر ، أصغر من منشأت العصور السابقة ، وسنقصر حديثنا على منشأت العصر المملوكي في بلاد الشام  تميزت منشأت هذا العصر في بلاد الشام بما يلي : 1- استمر الشكل التقليدي للمسجد : صحن جنوبيه القبلية وتحيط به أروقة من الشرق والغرب والشمال في معظم المساجد التي أنشئت في حلب وكذلك المدارس ، إذ صارت المدارس تستعمل كمساجد أيضا في هذا العصر ، أما في دمشق فقد ألغي الصحن في بعض المساجد والمدارس وسقفت في بعضها الآخر . 2- تفتح أبواب المنشآت ضمن إيوان سقفه في معظمها نصف ...

تاريخ أوربا في العصور الوسطى المحاضرة الأولى

تاريخ أوربة في العصور الوسطى المحاضرة الأولى          - يطلق اصطلاح العصور الوسطى على الفترة الزمنية التي تمتد من القرن الرابع الميلادي إلى القرن السادس عشر الميلادي . واختلف المؤرخين حول تحديد بداية العصورالوسطى ونهايتها، فبعضهم يرى أن بداية العصورالوسطى (سنة 476 م) وهو تاريخ سقوط "روما" بأيدي "البرابرة الجرمان" والبعض من يعتبر العصورالوسطى ( سنة 330 م ) وهو تاريخ بناء مدينة " القسطنطينية" ، والبعض أيضاً يعتبر ( سنة 395 م ) بداية العصورالوسطى وفي هذا التاريخ انقسمت فيه الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين شرقي وغربي ، والبعض الآخر من يحدد بداية العصور الوسطى مع انتشار " المسيحية" ، والبعض الآخر يعتبر فترة "الغارات البربرية" و تشكل " الممالك الجرمانية " هو بداية العصور الوسطى . أما نهاية العصور الوسطى فيحددها البعض بـ( سنة 1453 م ) وهو تاريخ سقوط بيزنطة بأيدي الأتراك العثمانيين . وأيضاً يحدد البعض نهاية العصور الوسطى ب( سنة 1492 م ) تاريخ اكتشاف"أمريكا" ، والبعض من يحدد نهاية العصور الوسطى في ...