المحاضرة الثالثة
نشأة المسيحية و انتشارها
1- ظهور المسيحية :
ظهرت المسيحية في الشرق في " فلسطين" ثم انتقلت إلى الغرب وكان مؤسس هذه الديانة هو السيد المسيح " عيسى بن مريم" (عليه السلام) ، وكان لهذه الديانة مبشرين ودعاة منهم أسقف "إنطاكية" القديس " بطرس" والقديس " بولس" مبشرين في "سورية" و" فلسطين" و" آسيا الصغرى" ، والقديس " مرقص " مبشر في " مصر" ، ونتيجة وجود علاقات العبودية في الإمبراطورية الرومانية كان الفلاحون و العمال يرون في المسيحية منقذ لهم من هذه العبودية لأنها تدعو إلى المساواة و لا فضل لإنسان على آخر إلا بالعمل الذي يقدمه لذلك انتشرت الديانة المسيحية بشكل كبير في ولايات الإمبراطورية الرومانية الشرقية ( سورية – مصر – آسيا الصغرى ) . 2- العوامل التي ساعدت على انتشار المسيحية :
1- لأن المسيحية ديناً سماوياً عاماً لجميع البشر .
2- قوة إيمان المسيحيين الأوائل وجهودهم الفائقة في نشر المسيحية .
3- سمّو المفاهيم الأخلاقية في المسيحية .
4- الفراغ الروحي الذي كان يعانيه المجتمع الروماني .
5- ساعد اتساع الأمبراطورية الرومانية وخضوعها لسلطة مركزية على انتقال المبشرين بسهولة .
6- هيمنة اللغة الآرامية ( السريانية ) في الوطن العربي ، واللغة اليونانية في القسم الشرقي من الإمبراطورية الرومانية واللاتينية في القسم الغربي من الإمبراطورية الرومانية ، الأمر الذي ساعد على انتقال المسيحية بسهولة إلى مختلف أجزاء الإمبراطورية .
3- الإضطهادات التي تعرضت لها المسيحية :
اضطهد الأباطرة الرومان المسيحية نتيجة توسع انتشارها ، وكان أول شهداء المسيحية السيد المسيح نفسه ، الذي "صلب" بأمر من الحاكم الروماني وبدسيسة من اليهود ، وفي عهد الإمبراطور " كلود" 0
( 41 – 54 م ) طرد المسيحيون من مدينة " روما" ، وفي ( سنة 64 م ) أحرق اليهود بعض أحياء روما و اتهموا المسيحيين بإحراقها ، لذلك أصدر الإمبراطور " نيرون" مرسوماً يقضي بأن لا يكون أحد مسيحياً ، وقتل القدسين " بطرس" و" بولس" .
وفي ( سنة 303 م ) أصدر الإمبراطور " ديوكليسيانوس" أمر بهدم كنائس المسيحيين ومنعهم من الصلاة و إحراق كتبهم وسجن قساوستهم وطردهم من الجيش والوظائف الحكومية ، ولكن هذا لم يردع المسيحيين فأصدر" ديوكليسيانوس " مراسيم يأمر فيها بتعذيب المسيحيين و قتلهم واعتبرهم خارجين عن القانون ، فلاقى الكثير منهم حتفهم ، لذلك أطلق المسيحيون على هذه الفترة " عصر الشهداء " ، كما أن الإمبراطور " ليبيريوس" اضطهد المسيحية أيضاً .
- الأسباب التي دفعت الرومان إلى اضطهاد المسيحية هي :
1- لأن المسيحيين رفضوا عبادة الإمبراطور الروماني وهذا الرفض يدل على عدم الولاء للدولة الرومانية و إمبراطورها ويعد من العوامل المفككة لوحدة الإمبراطورية .
2- لخطورة تعاليم المسيحية التي تهدد سلامة الدولة و أمنها .
3- لأن المسيحية ثورة اقتصادية ضد الاستغلال و التفاوت الطبقي السائد في العالم الروماني.
4- لأن المسيحية ثورة اجتماعية ضد القيم الاجتماعية القائمة في العالم الروماني .
5- بسبب الاجتماعات السرية التي كان يقوم بها المسيحيين لممارسة شعائرهم وطقوسهم الدينية .
6- للاتهامات التي وجهها اليهود ضد المسيحيين .
7- رفض المسيحيين تأدية الخدمة العسكرية الإلزامية ، وهذا الرفض يشكل خطراً على الجيش و ولائه للإمبراطورية .
8- تخوفت السلطات الرومانية من انتشار المسيحية في الأراضي الخاضعة للدولة الفارسية – العدوة التقليدية للرومان - ، فخشيت أن يقف هؤلاء المسيحيين إلى جانب الفرس في حروبهم مع الرومان .
4- مرسوم ميلانو والاعتراف بالمسيحية :
اعترف الإمبراطور البيزنطي " قسطنطين الأول الكبير" بالمسيحية بموجب مرسوم " ميلانو " ( سنة 313 م ) الذي نص على ما يلي :
1- إطلاق حرية الأديان المسيحية و الوثنية ، وإعطاء الحرية الدينية للمسيحيين والسماح لهم بممارسة عقائدهم .
2- إعطاء الحرية الدينية لغير المسيحيين و السماح لهم بممارسة عقائدهم .
3- إذا كانت الدولة قد اشترت هي أو أحد الأشخاص أماكن كان المسيحيون يجتمعون بها من قّبل فيجب أن تعود للمسحيين ، و إعادة ما انتزع من أملاك الكنيسة .
5- الآريوسية :
سميت الآريوسية نسبة إلى " آريوس" وهو كاهن اسكندري يرى أن المسيح الابن مخلوق للأب فهو إذاً دونه ، و لا يمكن للابن أن يعادل الأب في المستوى والقدرة ، لذلك فأن أسقف الاسكندرية " إثناسيوس "
أنكر ما قاله "آريوس" وقال أن المسيح والإله متساويين لأنهما من عنصر واحد ، ولذلك حرم "آريوس" من الكنيسة و توجه إلى " فلسطين" ومنها إلى " نيكوميديا " ، وحصل على تأييد هناك من الأساقفة .
6- مجمع نيقية :
نتيجة تفاقم النزاع بين " آريوس" و" إثناسيوس" دعى الإمبراطور إلى عقد مجمع ديني في " نيقية"
( سنة 325 م ) ، وكان " قسطنطين الأول" رئيس هذا المجمع ، وقد حضر ( 318 أسقفاً ) ودامت جلساته ( 98 يوم ) وفي ختام جلساته أدان الأساقفة بالإجماع " آريوس" و تقرر نفيه إلى " ايلّيريا"
واضطهاد أتباعه ، وفي ( سنة 334 م ) عفى " قسطنطين الأول " عن " آريوس" لأسباب سياسية وهي رغبة " قسطنطين " في استرضاء القسم الشرقي من الإمبراطورية الرومانية .
7- الارتداد عن المسيحية ( 361 – 363 م ):
عندما استلم عرش الإمبراطورية الرومانية " جوليان" ( جوليانوس) اضطهد المسيحيين و أعلن العودة إلى الوثنية و أهم الإجراءات التي اتخذها هي :
1- أمر بفتح المعابد الوثنية .
2- سمح بعودة الوثنيين المنفيين .
3- تقديم الهبات و الإمتيازات لكهنة المعابد الوثنية .
4- تجريد الكنائس من التحف و نقلها إلى هياكل المعابد الوثنية .
5- حرم المعلمين اليونانيين المسيحيين من تعليم العلوم اليونانية .
6- أبعد المسيحيين عن المناصب العليا في الحكومة و الجيش .
8- تيودوسيوس الأول و المسيحية ( 378 – 395 م ) :
وذلك من خلال دعوته لعقد المجمع الديني المسكوني الثاني في " القسطنطينية " ( سنة 381 م ) فأقر ذلك المجمع إدانة المذهب الآريوسي و تأييد المذهب النيقيوي ، وبذا قضى هذا الإمبراطورعلى الوثنية والآريوسية ودمر معالمها واضطهد أتباعها في القسم الشرقي من الإمبراطورية الرومانية .
9- تنظيم الكنيسة المسيحية :
1- في البداية كان لكل كنيسة أسقفها الخاص و يساعده عدد من القساوسة و الشمامسة .
2- ثم أصبح "المطران" رئيساً لكل الأساقفة اللذين يقيمون داخل الولاية التي يقوم هو على كنيسة عاصمتها وفي القرن الرابع أصبح هناك ستة " بطاركة" يقيمون في القسطنطينية وروما و إنطاكية والقدس و الاسكندرية و قرطاجة .
3- وقد أسس كنيسة "إنطاكية" القديسان " بطرس" و" بولس" و كنيسة " روما" القديس " بطرس"
وكنيسة " الاسكندرية" القديس " مرقص" ، ثم أصبح لأسقف " روما" الزعامة الروحية في الغرب .
- أبعاد مشكلة العصور الوسطى على ضوء نظرية " هنري بيرين " :
اقترحت بعض التواريخ لبداية العصور الوسطى فقد تم اعتبار :
1- اعتبرت( سنة 313 م ) وهي السنة التي اعترف " قسطنطين " بها بالمسيحية بداية للعصور الوسطى .
2- اعتبر ت ( سنة 330 م ) وهي السنة التي اتخذ فيها " قسطنطين" القسطنطينية عاصمة له ، بداية للعصور الوسطى .
3- البعض من يعتبر بداية العصور الوسطى ( 325 م ) وهو العام الذي عقد فيه ط مجمع " نيقية " .
4- البعض من يعتبر بداية العصور الوسطى ( 410 م ) وهو العام الذي أحتل فيه الزعيم الجرماني
( زعيم الغوط الغربيين ) " ألارك" مدينة " روما" .
- وأهم النظريات التي طرحت عن بداية العصور الوسطى هي نظرية المؤرخ البلجيكي " هنري بيرين" ( 1862 – 1935 م ) .
- عرض " بيرين" في كتابه ( محمد و شارلمان) نظرية في انهيار العالم القديم وبداية العصور الوسطى وأهم النقاط التي تعنينا في نظرية " هنري بيرين " هي :
1- يقول " بيرين" إن أهم ما يميز الإمبراطورية الرومانية هو ارتباطها بالبحر المتوسط ارتباطاً وثيقاً لأن حضارة العالم الروماني تمركزت على هذا البحر الذي كان أداة لنقل الأفكار والديانات والسلع وأن عظمة الإمبراطورية الرومانية و استمرارها مرتبط بوحدة هذا البحر و بقائه بحيرة رومانية .
2- يقول " بيرين" أن " الجرنان" لم يحطموا الإمبراطورية الرومانية و حضارتها لأنه لم تكن هناك دوافع دينية أو ضغائن دينية بين الجرمان و الرومان .
3- يقول " بيرين" أن الفتوحات الإسلامية هي التي قضت على الإمبراطورية الرومانية و الفتوحات العربية الإسلامية أدت إلى النتائج التالية :
1ً- تحطيم وحدة البحر المتوسط وتغير ميزان القوى فيه.
2ً- الفتوحات العربية الإسلامية قضت على الحركة التجارية الأوربية في البحر المتوسط ، وعملت على قطع العلاقات التجارية بين الشرق و الغرب .
3ً- تحول البحر المتوسط من بحيرة رومانية إلى بحيرة عربية إسلامية ، وبذلك تحول الاقتصاد الأوربي إلى اقتصاد مغلق يعتمد على الاكتفاء الذاتي ، لذلك انهار العالم القديم و بدأت العصور الوسطى .
4ً- أن التجار المسلمين لم يمارسوا نشاطهم خارج حدود العالم الإسلامي .
- ويقول " بيرين" أن الذهب و زيت الزيتون و البردي و النبيذ و المنسوجات الشرقية و التوابل كانت تأتي من الشرق إلى الغرب الأوربي وظلت تستهلك ثم اختفت في القرن الثامن الميلادي حيث :
1- حلت النقود الفضية محل النقود الذهبية التي كانت تصنع بكثرة في عهد الفرنجة الميروفنجيين .
2- انقطاع ورق البردي المستورد من مصر .
3- انقطاع زيت الزيتون المستور من تونس .
4- توقف استخدام الأقمشة و المنسوجات الشرقية في أوربا .
5- توقف استخدام النبيذ الفلسطيني الذي كان يستعمل في الطقوس الدينية .
6- توقف استعمال التوابل في الغرب الأوربي .
- ويصل" بيرين" في نهاية تحليلاته إلى نظريته القائلة بأن الغزوات الجرمانية ليست هي المسؤولة عن سقوط العالم الروماني، وأن الفتوحات الإسلامية هي التي حطمت الإمبراطورية الرومانية .
- الحقائق التي توصل إليها الباحثون المتخصصون في دراستهم النقدية لنظرية "هنري بيرين" هي :
أولاً – مسألة تحطيم وحدة البحر المتوسط :
- أثبتت الدراسات الحديثة الحقائق التالية :
1- أن البحر المتوسط طريق للتجارة وليس ضماناً للنجاح التجاري .
2- إن الإمبراطورية الرومانية تفككت وحدتها نتيجة الغزوات الجرمانية التي اجتاحت الإمبراطورية منذ القرن الرابع الميلادي ، وانه عندما فتح العرب المسلمون " إسبانية" كانت بيد الغوط الغربيين و ليس بيد الرومان .
3- أن الفندال الجرمان الذين استولوا على شمال أفريقية ( عام 429 م ) قد قاموا بأعمال قرصنة في الحوض الغربي للبحر المتوسط ، لذلك هم الذين تسببوا في تحطيم وحدة عالم البحر المتوسط .
- و قد أثبت البحث العلمي الموضوعي :
1- لم يذكر في القرآن أو في أحاديث الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) إلى تحريم أو منع العرب المسلمين من المتاجرة مع غير المسلمين .
2- رغم أن الفتوحات العربية الإسلامية قد خلقت مصادر أخرى للرزق كالزراعة والصناعة ظل العمل التجاري هو المهنة الرئيسية لقطاع كبير من العرب المسلمين .
3- قام التجار العرب المسلمين مستوطنات تجارية خارج حدود العالم العربي الإسلامي .
4- أن سكان إيطالية و غاليا كانوا يعتمدون على القمح المستورد من مصر و آسيا و أفريقية الشمالية ، وأن مدينة " روما" مدينة طفيلية كانت تعيش على موارد البلاد المجاورة لها .
ثانياً – مشكلة الذهب :
- قال " بيرين" أن الفتوحات العربية الإسلامية أدت إلى اختفاء الذهب إلا أن البحث العلمي أثبت مايلي :
1- اتجاه الذهب من الغرب إلى الشرق كان منذ القرن الثالث الميلادي .
2- برهن " لوبيز" أنه منذ أواخر القرن السادس الميلادي ازداد إنتاج العملة الفضية ونقص الذهب في أواخر عهد الميروفنجيين .
3- إن سبب نقص الذهب هو لأن الغرب كان يستورد أكثر مما يصدر .
4- إن نقص الذهب هو نتيجة رغبة رجال الدين و الإقطاعيين في الغرب الأوربي بسحب الذهب
و خزنه .
ثالثاً – مشكلة البردي :
- قال" " بيرين" نتيجة الفتح العربي الإسلامي لمصر توقف تصدير البردي إلى الغرب الأوربي غيرأن ذلك غير صحيح للأسباب التالية :
1- يقول : " دانيت" أن تصدير البردي إلى الغرب بقي بعد الفتح العربي الإسلامي لمصر .
2- أن الميروفنجيين استمروا في استخدام البردي القادم من مصر بعد الفتح العربي الإسلامي لهذا البلد لأكثر من نصف قرن.
3- منذ القرن السادس الميلادي أخذت المؤسسات الأوربية تكتب وثائقها و أخبارها على الصحائف الجلدية وذلك لأن أوراق البردي لم تكن قادرة على مقاومة الأجواء الرطبة .
4- أن صناعة الورق انتقلت من الصين إلى العرب الذين نقلوها بدورهم إلى الغرب الذين لم يستخدمونه في البداية و أخذوا يستخدمون في البداية جلود الحيوانات .
رابعاً – مشكلة النبيذ :
- يقول: " هنري بيرين" أن الكنيسة الغربية توقفت عن استخدام النبيذ الفلسطيني في طقوس "الغربان"، وحقيقة الأمر أن المسلمين لم يشجعوا على صناعة الخمور لأنه محرم في الديانة الإسلامية ، ولكن على الرغم من ذلك ظلت صناعة الخمور بشكل محدود في المشرق العربي الإسلامي ، لأن الكنائس المسيحية في فلسطين و سورية ظلت تستخدم النبيذ في الطقوس الدينية ، كما أن بعض خلفاء بني أمية كانوا من المدمنين على تناول الخمور .
خامساً – مشكلة الأقمشة و التوابل :
أثبت العالم البلجيكي " ساب" حديثاً أنه لا يزال هناك تيار من واردات الأقمشة الشرقية خلال القرنيين التاسع والعاشر , كما تدفقت التوابل إلى الغرب الأوربي بعد حوالي قرنيين أو أكثر من الفتح العربي الإسلامي .
- وهكذا تهاوت نظرية " هنري بيرين" وتحطمت أساسياتها أمام البحث العلمي الموضوعي .
نشأة المسيحية و انتشارها
1- ظهور المسيحية :
ظهرت المسيحية في الشرق في " فلسطين" ثم انتقلت إلى الغرب وكان مؤسس هذه الديانة هو السيد المسيح " عيسى بن مريم" (عليه السلام) ، وكان لهذه الديانة مبشرين ودعاة منهم أسقف "إنطاكية" القديس " بطرس" والقديس " بولس" مبشرين في "سورية" و" فلسطين" و" آسيا الصغرى" ، والقديس " مرقص " مبشر في " مصر" ، ونتيجة وجود علاقات العبودية في الإمبراطورية الرومانية كان الفلاحون و العمال يرون في المسيحية منقذ لهم من هذه العبودية لأنها تدعو إلى المساواة و لا فضل لإنسان على آخر إلا بالعمل الذي يقدمه لذلك انتشرت الديانة المسيحية بشكل كبير في ولايات الإمبراطورية الرومانية الشرقية ( سورية – مصر – آسيا الصغرى ) . 2- العوامل التي ساعدت على انتشار المسيحية :
1- لأن المسيحية ديناً سماوياً عاماً لجميع البشر .
2- قوة إيمان المسيحيين الأوائل وجهودهم الفائقة في نشر المسيحية .
3- سمّو المفاهيم الأخلاقية في المسيحية .
4- الفراغ الروحي الذي كان يعانيه المجتمع الروماني .
5- ساعد اتساع الأمبراطورية الرومانية وخضوعها لسلطة مركزية على انتقال المبشرين بسهولة .
6- هيمنة اللغة الآرامية ( السريانية ) في الوطن العربي ، واللغة اليونانية في القسم الشرقي من الإمبراطورية الرومانية واللاتينية في القسم الغربي من الإمبراطورية الرومانية ، الأمر الذي ساعد على انتقال المسيحية بسهولة إلى مختلف أجزاء الإمبراطورية .
3- الإضطهادات التي تعرضت لها المسيحية :
اضطهد الأباطرة الرومان المسيحية نتيجة توسع انتشارها ، وكان أول شهداء المسيحية السيد المسيح نفسه ، الذي "صلب" بأمر من الحاكم الروماني وبدسيسة من اليهود ، وفي عهد الإمبراطور " كلود" 0
( 41 – 54 م ) طرد المسيحيون من مدينة " روما" ، وفي ( سنة 64 م ) أحرق اليهود بعض أحياء روما و اتهموا المسيحيين بإحراقها ، لذلك أصدر الإمبراطور " نيرون" مرسوماً يقضي بأن لا يكون أحد مسيحياً ، وقتل القدسين " بطرس" و" بولس" .
وفي ( سنة 303 م ) أصدر الإمبراطور " ديوكليسيانوس" أمر بهدم كنائس المسيحيين ومنعهم من الصلاة و إحراق كتبهم وسجن قساوستهم وطردهم من الجيش والوظائف الحكومية ، ولكن هذا لم يردع المسيحيين فأصدر" ديوكليسيانوس " مراسيم يأمر فيها بتعذيب المسيحيين و قتلهم واعتبرهم خارجين عن القانون ، فلاقى الكثير منهم حتفهم ، لذلك أطلق المسيحيون على هذه الفترة " عصر الشهداء " ، كما أن الإمبراطور " ليبيريوس" اضطهد المسيحية أيضاً .
- الأسباب التي دفعت الرومان إلى اضطهاد المسيحية هي :
1- لأن المسيحيين رفضوا عبادة الإمبراطور الروماني وهذا الرفض يدل على عدم الولاء للدولة الرومانية و إمبراطورها ويعد من العوامل المفككة لوحدة الإمبراطورية .
2- لخطورة تعاليم المسيحية التي تهدد سلامة الدولة و أمنها .
3- لأن المسيحية ثورة اقتصادية ضد الاستغلال و التفاوت الطبقي السائد في العالم الروماني.
4- لأن المسيحية ثورة اجتماعية ضد القيم الاجتماعية القائمة في العالم الروماني .
5- بسبب الاجتماعات السرية التي كان يقوم بها المسيحيين لممارسة شعائرهم وطقوسهم الدينية .
6- للاتهامات التي وجهها اليهود ضد المسيحيين .
7- رفض المسيحيين تأدية الخدمة العسكرية الإلزامية ، وهذا الرفض يشكل خطراً على الجيش و ولائه للإمبراطورية .
8- تخوفت السلطات الرومانية من انتشار المسيحية في الأراضي الخاضعة للدولة الفارسية – العدوة التقليدية للرومان - ، فخشيت أن يقف هؤلاء المسيحيين إلى جانب الفرس في حروبهم مع الرومان .
4- مرسوم ميلانو والاعتراف بالمسيحية :
اعترف الإمبراطور البيزنطي " قسطنطين الأول الكبير" بالمسيحية بموجب مرسوم " ميلانو " ( سنة 313 م ) الذي نص على ما يلي :
1- إطلاق حرية الأديان المسيحية و الوثنية ، وإعطاء الحرية الدينية للمسيحيين والسماح لهم بممارسة عقائدهم .
2- إعطاء الحرية الدينية لغير المسيحيين و السماح لهم بممارسة عقائدهم .
3- إذا كانت الدولة قد اشترت هي أو أحد الأشخاص أماكن كان المسيحيون يجتمعون بها من قّبل فيجب أن تعود للمسحيين ، و إعادة ما انتزع من أملاك الكنيسة .
5- الآريوسية :
سميت الآريوسية نسبة إلى " آريوس" وهو كاهن اسكندري يرى أن المسيح الابن مخلوق للأب فهو إذاً دونه ، و لا يمكن للابن أن يعادل الأب في المستوى والقدرة ، لذلك فأن أسقف الاسكندرية " إثناسيوس "
أنكر ما قاله "آريوس" وقال أن المسيح والإله متساويين لأنهما من عنصر واحد ، ولذلك حرم "آريوس" من الكنيسة و توجه إلى " فلسطين" ومنها إلى " نيكوميديا " ، وحصل على تأييد هناك من الأساقفة .
6- مجمع نيقية :
نتيجة تفاقم النزاع بين " آريوس" و" إثناسيوس" دعى الإمبراطور إلى عقد مجمع ديني في " نيقية"
( سنة 325 م ) ، وكان " قسطنطين الأول" رئيس هذا المجمع ، وقد حضر ( 318 أسقفاً ) ودامت جلساته ( 98 يوم ) وفي ختام جلساته أدان الأساقفة بالإجماع " آريوس" و تقرر نفيه إلى " ايلّيريا"
واضطهاد أتباعه ، وفي ( سنة 334 م ) عفى " قسطنطين الأول " عن " آريوس" لأسباب سياسية وهي رغبة " قسطنطين " في استرضاء القسم الشرقي من الإمبراطورية الرومانية .
7- الارتداد عن المسيحية ( 361 – 363 م ):
عندما استلم عرش الإمبراطورية الرومانية " جوليان" ( جوليانوس) اضطهد المسيحيين و أعلن العودة إلى الوثنية و أهم الإجراءات التي اتخذها هي :
1- أمر بفتح المعابد الوثنية .
2- سمح بعودة الوثنيين المنفيين .
3- تقديم الهبات و الإمتيازات لكهنة المعابد الوثنية .
4- تجريد الكنائس من التحف و نقلها إلى هياكل المعابد الوثنية .
5- حرم المعلمين اليونانيين المسيحيين من تعليم العلوم اليونانية .
6- أبعد المسيحيين عن المناصب العليا في الحكومة و الجيش .
8- تيودوسيوس الأول و المسيحية ( 378 – 395 م ) :
وذلك من خلال دعوته لعقد المجمع الديني المسكوني الثاني في " القسطنطينية " ( سنة 381 م ) فأقر ذلك المجمع إدانة المذهب الآريوسي و تأييد المذهب النيقيوي ، وبذا قضى هذا الإمبراطورعلى الوثنية والآريوسية ودمر معالمها واضطهد أتباعها في القسم الشرقي من الإمبراطورية الرومانية .
9- تنظيم الكنيسة المسيحية :
1- في البداية كان لكل كنيسة أسقفها الخاص و يساعده عدد من القساوسة و الشمامسة .
2- ثم أصبح "المطران" رئيساً لكل الأساقفة اللذين يقيمون داخل الولاية التي يقوم هو على كنيسة عاصمتها وفي القرن الرابع أصبح هناك ستة " بطاركة" يقيمون في القسطنطينية وروما و إنطاكية والقدس و الاسكندرية و قرطاجة .
3- وقد أسس كنيسة "إنطاكية" القديسان " بطرس" و" بولس" و كنيسة " روما" القديس " بطرس"
وكنيسة " الاسكندرية" القديس " مرقص" ، ثم أصبح لأسقف " روما" الزعامة الروحية في الغرب .
- أبعاد مشكلة العصور الوسطى على ضوء نظرية " هنري بيرين " :
اقترحت بعض التواريخ لبداية العصور الوسطى فقد تم اعتبار :
1- اعتبرت( سنة 313 م ) وهي السنة التي اعترف " قسطنطين " بها بالمسيحية بداية للعصور الوسطى .
2- اعتبر ت ( سنة 330 م ) وهي السنة التي اتخذ فيها " قسطنطين" القسطنطينية عاصمة له ، بداية للعصور الوسطى .
3- البعض من يعتبر بداية العصور الوسطى ( 325 م ) وهو العام الذي عقد فيه ط مجمع " نيقية " .
4- البعض من يعتبر بداية العصور الوسطى ( 410 م ) وهو العام الذي أحتل فيه الزعيم الجرماني
( زعيم الغوط الغربيين ) " ألارك" مدينة " روما" .
- وأهم النظريات التي طرحت عن بداية العصور الوسطى هي نظرية المؤرخ البلجيكي " هنري بيرين" ( 1862 – 1935 م ) .
- عرض " بيرين" في كتابه ( محمد و شارلمان) نظرية في انهيار العالم القديم وبداية العصور الوسطى وأهم النقاط التي تعنينا في نظرية " هنري بيرين " هي :
1- يقول " بيرين" إن أهم ما يميز الإمبراطورية الرومانية هو ارتباطها بالبحر المتوسط ارتباطاً وثيقاً لأن حضارة العالم الروماني تمركزت على هذا البحر الذي كان أداة لنقل الأفكار والديانات والسلع وأن عظمة الإمبراطورية الرومانية و استمرارها مرتبط بوحدة هذا البحر و بقائه بحيرة رومانية .
2- يقول " بيرين" أن " الجرنان" لم يحطموا الإمبراطورية الرومانية و حضارتها لأنه لم تكن هناك دوافع دينية أو ضغائن دينية بين الجرمان و الرومان .
3- يقول " بيرين" أن الفتوحات الإسلامية هي التي قضت على الإمبراطورية الرومانية و الفتوحات العربية الإسلامية أدت إلى النتائج التالية :
1ً- تحطيم وحدة البحر المتوسط وتغير ميزان القوى فيه.
2ً- الفتوحات العربية الإسلامية قضت على الحركة التجارية الأوربية في البحر المتوسط ، وعملت على قطع العلاقات التجارية بين الشرق و الغرب .
3ً- تحول البحر المتوسط من بحيرة رومانية إلى بحيرة عربية إسلامية ، وبذلك تحول الاقتصاد الأوربي إلى اقتصاد مغلق يعتمد على الاكتفاء الذاتي ، لذلك انهار العالم القديم و بدأت العصور الوسطى .
4ً- أن التجار المسلمين لم يمارسوا نشاطهم خارج حدود العالم الإسلامي .
- ويقول " بيرين" أن الذهب و زيت الزيتون و البردي و النبيذ و المنسوجات الشرقية و التوابل كانت تأتي من الشرق إلى الغرب الأوربي وظلت تستهلك ثم اختفت في القرن الثامن الميلادي حيث :
1- حلت النقود الفضية محل النقود الذهبية التي كانت تصنع بكثرة في عهد الفرنجة الميروفنجيين .
2- انقطاع ورق البردي المستورد من مصر .
3- انقطاع زيت الزيتون المستور من تونس .
4- توقف استخدام الأقمشة و المنسوجات الشرقية في أوربا .
5- توقف استخدام النبيذ الفلسطيني الذي كان يستعمل في الطقوس الدينية .
6- توقف استعمال التوابل في الغرب الأوربي .
- ويصل" بيرين" في نهاية تحليلاته إلى نظريته القائلة بأن الغزوات الجرمانية ليست هي المسؤولة عن سقوط العالم الروماني، وأن الفتوحات الإسلامية هي التي حطمت الإمبراطورية الرومانية .
- الحقائق التي توصل إليها الباحثون المتخصصون في دراستهم النقدية لنظرية "هنري بيرين" هي :
أولاً – مسألة تحطيم وحدة البحر المتوسط :
- أثبتت الدراسات الحديثة الحقائق التالية :
1- أن البحر المتوسط طريق للتجارة وليس ضماناً للنجاح التجاري .
2- إن الإمبراطورية الرومانية تفككت وحدتها نتيجة الغزوات الجرمانية التي اجتاحت الإمبراطورية منذ القرن الرابع الميلادي ، وانه عندما فتح العرب المسلمون " إسبانية" كانت بيد الغوط الغربيين و ليس بيد الرومان .
3- أن الفندال الجرمان الذين استولوا على شمال أفريقية ( عام 429 م ) قد قاموا بأعمال قرصنة في الحوض الغربي للبحر المتوسط ، لذلك هم الذين تسببوا في تحطيم وحدة عالم البحر المتوسط .
- و قد أثبت البحث العلمي الموضوعي :
1- لم يذكر في القرآن أو في أحاديث الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) إلى تحريم أو منع العرب المسلمين من المتاجرة مع غير المسلمين .
2- رغم أن الفتوحات العربية الإسلامية قد خلقت مصادر أخرى للرزق كالزراعة والصناعة ظل العمل التجاري هو المهنة الرئيسية لقطاع كبير من العرب المسلمين .
3- قام التجار العرب المسلمين مستوطنات تجارية خارج حدود العالم العربي الإسلامي .
4- أن سكان إيطالية و غاليا كانوا يعتمدون على القمح المستورد من مصر و آسيا و أفريقية الشمالية ، وأن مدينة " روما" مدينة طفيلية كانت تعيش على موارد البلاد المجاورة لها .
ثانياً – مشكلة الذهب :
- قال " بيرين" أن الفتوحات العربية الإسلامية أدت إلى اختفاء الذهب إلا أن البحث العلمي أثبت مايلي :
1- اتجاه الذهب من الغرب إلى الشرق كان منذ القرن الثالث الميلادي .
2- برهن " لوبيز" أنه منذ أواخر القرن السادس الميلادي ازداد إنتاج العملة الفضية ونقص الذهب في أواخر عهد الميروفنجيين .
3- إن سبب نقص الذهب هو لأن الغرب كان يستورد أكثر مما يصدر .
4- إن نقص الذهب هو نتيجة رغبة رجال الدين و الإقطاعيين في الغرب الأوربي بسحب الذهب
و خزنه .
ثالثاً – مشكلة البردي :
- قال" " بيرين" نتيجة الفتح العربي الإسلامي لمصر توقف تصدير البردي إلى الغرب الأوربي غيرأن ذلك غير صحيح للأسباب التالية :
1- يقول : " دانيت" أن تصدير البردي إلى الغرب بقي بعد الفتح العربي الإسلامي لمصر .
2- أن الميروفنجيين استمروا في استخدام البردي القادم من مصر بعد الفتح العربي الإسلامي لهذا البلد لأكثر من نصف قرن.
3- منذ القرن السادس الميلادي أخذت المؤسسات الأوربية تكتب وثائقها و أخبارها على الصحائف الجلدية وذلك لأن أوراق البردي لم تكن قادرة على مقاومة الأجواء الرطبة .
4- أن صناعة الورق انتقلت من الصين إلى العرب الذين نقلوها بدورهم إلى الغرب الذين لم يستخدمونه في البداية و أخذوا يستخدمون في البداية جلود الحيوانات .
رابعاً – مشكلة النبيذ :
- يقول: " هنري بيرين" أن الكنيسة الغربية توقفت عن استخدام النبيذ الفلسطيني في طقوس "الغربان"، وحقيقة الأمر أن المسلمين لم يشجعوا على صناعة الخمور لأنه محرم في الديانة الإسلامية ، ولكن على الرغم من ذلك ظلت صناعة الخمور بشكل محدود في المشرق العربي الإسلامي ، لأن الكنائس المسيحية في فلسطين و سورية ظلت تستخدم النبيذ في الطقوس الدينية ، كما أن بعض خلفاء بني أمية كانوا من المدمنين على تناول الخمور .
خامساً – مشكلة الأقمشة و التوابل :
أثبت العالم البلجيكي " ساب" حديثاً أنه لا يزال هناك تيار من واردات الأقمشة الشرقية خلال القرنيين التاسع والعاشر , كما تدفقت التوابل إلى الغرب الأوربي بعد حوالي قرنيين أو أكثر من الفتح العربي الإسلامي .
- وهكذا تهاوت نظرية " هنري بيرين" وتحطمت أساسياتها أمام البحث العلمي الموضوعي .
تعليقات
إرسال تعليق