المحاضرة الرابعة
ديموغرافية الدولة العثمانية
سكان الدولة العثمانية
تعتبر
منطقة جبال"ألتاني" في وسط آسيا الموطن الأساسي للقبائل التركمانية أو
التركية، و هذه القبائل التركية أو التركمانية كانت تعرف بالقبائل "
الغزية" أو "أغوزية" ، و خلال القرن العاشر الميلادي الذي سبق دخولهم
الجماعي إلى الأناضول ، كانوا منتظمين على شكل قبائل مستقلة نسبياً عن
بعضها البعض ، ثم أنه بعيد النصر الذي حققته هذه القبائل في المعركة
الفاصلة في " مناذ كرد " ( ملاذ كرد ) بقيادة " ألب آرسلان" (سنة 1071م)،
انهارت وسائل الدفاع البيزنطية ، مما فتح أبواب الأناضول على مصراعيها
لإقامة هؤلاء التركمان ، فأسسوا بذلك دولة " سلاجقة الروم" هذه الدولة التي
استمرت إلى بدايات القرن الرابع عشر الميلادي ، ومع انتشار التركمان على
بر الأناضول انتشرت مهم " الربط "
و"
الزوايا الصوفية " و " الجماعات الآخية " على شكل تجمعات شبه سياسية كانت
تعمل بمختلف أنشطة الحياة ( تجارة – صناعة – حراف ) ، بالإضافة إلى الأعمال
الجهادية .
ومع قدوم قبيلة " قايي" إحدى القبائل التركية بقيادة زعيمها " أرطغرل" ، تزامناً مع نهاية عهد دولة سلاجقة الروم ، واستطاعت هذه القبيلة أن تحصل على منطقة كانت تعرف بـ " قراجه طاغ " ، وأخذت هذه القبيلة تمارس نشاطها على المستوى الاقتصادي لتضمن وجودها وعلى المستوى السياسي لتضمن ثباتها في الموقع الذي استوطنت فيه ، ثم كان للأعمال الجهادية ضد البيزنطيين أن نالت مرتبة الإمارة في عهد "عثمان بن أرطغرل" الأمر الذي أدى بالنتيجة إلى توافد مجموعات أخرى من المجاهدين
و
العلماء و مشايخ الطرق الصوفية و الصناع المهرة و التجار إليها ، مما
أكسبها ثقافة مميزة و حركة اقتصادية (تجارية) متميزة و نشطة خصوصاً بعد
سقوط الدولة السلجوقية في بداية القرن الرابع عشر الميلادي .
ومع
سقوط دولة سلاجقة الروم أخذ يسطع نجم إمارة "عثمان" بشدة و ذلك بحكم موقعها
المتميز و قربها من الدولة البيزنطية ، الأمر الذي حدد وجهة سيرها و ضاعف
من النتائج التي حصلت عليها ، و هذا ما جعل التوافد إليها كبيراً من الغزاة
التركمان من كافة أنحاء الأناضول ، وهذا التوافد جعل الأمير العثماني
يتلقب بـ " باديشاه" (السلطان) وهذا إعلان ظاهر عن قيام الدولة ، وعززذلك
خليفته " أورخان" عندما اتخذ من مدينة " بورصة" إحدى أهم النقاط
الاستراتيجية على بر الأناضول عاصمة له .
حيث
تثنى للدولة العثمانية أن تبدأ منذ ذلك الحين بعملية عثمنة المناطق التي
كانت تحت يد السلطان في الجانب الأناضولي ، و تتريك و عثمنة المناطق
المجاورة على الطرف البلقاني ، وقد طالت العثمنة في البداية مدينتي " أزنيك
" و " أزميد" ، و إمارة " قره سي" ، ثم " تزنيب" و " غاليبولي " في الجانب
البلقاني حيث طالتها عملية التتريك و العثمنة .
و في
عهد السلطان "مراد الأول" توسعت حدود الدولة ، و بالتالي ازداد حجم سكانها ،
و في عهد السلطان "بايزيد الأول" كان خط سير الدولة واضحاً كل الوضوح ،
وكانت خطة " بايزيد الأول" تنحصر في قضيتين : الأولى : تصفية الأسر الحاكمة
في الأناضول و البلقان و تحويل مناطقهم إلى ولايات عثمانية. والثانية:
تأسيس دولة مركزية تستوعب هذه الإمارات .
إلا أن القدر عاكسه ليقع أسيراً بيد " تيمورلنك" بعد معركة (أنقرة 1402 م ) .
ولم
يتحقق حلم العثمانيين إلا على يد السلطان " محمد الفاتح " ، إذ أنه بفتحه
لـ " القسطنطينية" كسر الحاجز التاريخي الذي استعصى على المسلمين، كما حطم
الجدار الأوربي ، وسيطر على قلب أوربة ، و نقل العثمنة إلى عمق أوربة
الشرقية.
حيث ضم العثمانيون كافة الجماعات و الاثنيات = ( القوميات) _ من أصل " بلغاري" و "صربي"
و"
ألباني" التي كانت تسكن على الساحل الادرياتيكي لأوربة الشرقية _ و جماعات "
فلاشية" تسكن إقليم " تيوك موروفا" ، كما ضمت الجماعات " البوسنوية" مع
"الهرسك" وسكان "مقدونيا الشرقية"
و " تساليا" و " المورة" (اليونان) و"السلاف" ، كما هجر العثمانيين مجموعات
من الأتراك المسلمين حيث سكنت في أوربة الشرقية هذا من جهة ، ومن جهة أخرى
حين اعتنق "الألبان" الدين الإسلامي تغير الواقع الديني لسكان وسط البلقان
،
وهذا ما جعل البلقان عموماً يقسم إلى قسمين :
الأول :اعتنق الديانة الإسلامية و ساند الدولة في كثير من أزماتها .
الأول :اعتنق الديانة الإسلامية و ساند الدولة في كثير من أزماتها .
والثاني : بقي على الدين المسيحي و شكل جبهة معارضة ضد العثمانيين .
ثم دان البوسنيون بالإسلام بعد الألبان وذلك لأسباب دينية بحتة ، حيث كانوا يتبعون مذهباً وسطاً بين الأرثوذكسي و الكاثوليكي فما كانوا من هؤلاء ولا من هؤلاء .
وفي
هذا السياق لا بد من الإشارة أن معظم الصدور العظام في الدولة العثمانية لم
يكونوا من الأتراك ،
بل كانوا من القوميات المختلفة ، حيث أنه بين عامي
(1453 – 1653م) وصل إلى مرتبة الصدارة العظمى (48) صدراً ، ( 5 فقط من الأتراك )، و(11من الألبان )، و( 11 من السلاف )، و(6 من
اليونانيين)، و(10 من أصول غير معروفة)، و( واحد شركسي )، و( واحد إيطالي )، و(واحد أرمني)، و(واحد كرجي) .
وعلى
الرغم من أن معظم شعوب البلقان وجدوا في نظام الـ" دفشرفه" _ وهو نظام حصول
الدولة على نسب متفاوتة من أطفال الدول المغلوبة في البلقان حيث كان يؤخذ
الأطفال إلى مدارس السلطان ويعدون ليكونوا حماة السلطان تحت اسم الجيش
الإنكشاري" يكي جري"_الوسيلة في تحسين أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية على
الحد الذي جعل قسم منهم يتطوع بدل عن ابن الجار ، وحينما فتح العثمانيون
منطقة "طرابزون" (سنة 1461م) اكتملت أخر فصول العثمنة للأناضول ،
أمل
بالنسبة لمن لم يعتنق الإسلام من البيزنطيين ، فقد فرضت عليه ضريبة الرأس
كمساهمة منه في الدفاع عن الدولة ، مع تمتعه بالحرية الدينية و المدنية ، و
لقد استطاع قسم كبير منهم العمل في مجال التجارة ، وكانت له علاقات متميزة
مع التجار الأجانب .
إما
النقلة النوعية للدمغرافية العثمانية فقد تمثلت في عهد السلطان " سليم
الأول "(1512-1520م) الذي ضم مصر و بلاد الشام و شمال العراق و اليمن ،إلى
دولته ، ثم أتى خليفته السلطان " سليمان القانوني" (1520- 1566م) ليضم معظم
العالم العربي، وهذا ما جعل نسبة المسلمين القاطنين في أراضي الدولة
العثمانية ترتفع بشكل ملحوظ ، بالإضافة إلى احتواء الدولة العثمانية على
العنصر العربي .
هذا
وقد كان العثمانيون يدينون بالإسلام على المذهب السني مع تعلقهم بالطرق
الصوفية ، وكانوا في العادة ينتظمون ضمن تشكيلات سياسية دينية هي (الغزاة
الروم ) و(الأخوة الروم) ، وكانت قد نأت في الأساس من تداخل مجموعات الفتوة
التي تعمل في الجهاد في سبيل الله بأرباب الحرف في المدن والقرى
وهذا ما أدى إلى أسلمة قطاع كبير من أراضي الأناضول التي كانت بيزنطية قبل دخول الأتراك إليها .
و حين
تم القضاء على الدولة البيزنطية و بقي من بقي من النصارى منضوياً ضمن رعايا
الدولة العثمانية ، قام السلطان " محمد الفاتح " (1451- 1481م) بطرياركاً
أرثوذكسياً على رأس الملل المسيحية في السلطنة العثمانية ، وكان الاختيار
العثماني لهذا النمط من البطاركة الأرثوذكسيين ذو بعداً استراتيجياً ،لأنه
يرعى الحزب المناوئ للبابوية =(الكاثوليكية ) .
هذا وقد كانت "استنبول" تشتمل على نسبة كبيرة من غير المسلمين تصل إلى نحو (40% ) من يهود و نصارى ، وعلاوة على ذلك كانت فاعلة من الناحية الاقتصادية .
حيث كان لسياسة التسامح التي اتبعتها الدولة أن توافدت إليها مجموعات كبيرة من اليهود الإسبان و
البرتغاليين – ذلك منذ نهاية القرن الخامس عشر الميلادي حتى بلغ عدد اليهود
في" اسطنبول " (159.م) حوالي (2.ألف) و قد نال بعضهم الحظوة في البلاط
العثماني .
وفي
بداية القرن السابع عشر (1614م) دخلة إلى السلطنة أعداد كبيرة كانت تقيم في
إسبانيا ، وسكنت في الأقاليم اليونانية ، وعلى رأسها "تسالونيك" وفي منطقة
شرقي المتوسط "أزمير" و"إسكندرون" ،
وقد
ضمت "تسالونيك" لوحدها تجمع يهودي وصلت نسبته في المدينة إلى (60%) وكان
اليهود عموماً يزاولون الأعمال التجارية ، وحين أخذت تسري في جسد السلطنة
عوامل الضعف ساعدت التطورات الاقتصادية في العالم و انعكاساتها على تزايد
الدور الذي كان يلعبه اليهود الأمر الذي أثر سلبياً على المجريات
الاقتصادية و السياسية للدولة العثمانية .
تعليقات
إرسال تعليق