تاريخ أوربة في العصور الوسطى
المحاضرة الأولى
- يطلق اصطلاح العصور الوسطى على الفترة الزمنية التي تمتد من القرن الرابع الميلادي إلى القرن السادس عشر الميلادي .
واختلف المؤرخين حول تحديد بداية العصورالوسطى ونهايتها، فبعضهم يرى أن بداية العصورالوسطى (سنة 476 م) وهو تاريخ سقوط "روما" بأيدي "البرابرة الجرمان" والبعض من يعتبر العصورالوسطى ( سنة 330 م ) وهو تاريخ بناء مدينة " القسطنطينية" ، والبعض أيضاً يعتبر ( سنة 395 م ) بداية العصورالوسطى وفي هذا التاريخ انقسمت فيه الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين شرقي وغربي ، والبعض الآخر من يحدد بداية العصور الوسطى مع انتشار " المسيحية" ، والبعض الآخر يعتبر فترة "الغارات البربرية" و تشكل " الممالك الجرمانية " هو بداية العصور الوسطى .
أما نهاية العصور الوسطى فيحددها البعض بـ( سنة 1453 م ) وهو تاريخ سقوط بيزنطة بأيدي الأتراك العثمانيين .
وأيضاً يحدد البعض نهاية العصور الوسطى ب( سنة 1492 م ) تاريخ اكتشاف"أمريكا" ، والبعض من يحدد نهاية العصور الوسطى في " النهضة الثقافية" في أواخر القرن الخامس عشر و أوائل القرن السادس عشر الميلادي .
والحقيقة أن التاريخ عبارة عن حلقة متصلة لا يمكن الفصل فيه ، وإنما تم تجزئة التاريخ إلى فترات زمنية محددة حيث نقول التاريخ القديم والتاريخ الوسيط والتاريخ الحديث والتاريخ الحديث والمعاصر، والمقصود من هذا التقسيم التسهيل على الباحث و القارىء .
- وقد تم اعتبارالقرنيين الرابع والخامس الميلاديين بداية العصورالوسطى لأسباب عدة منها:
1- من الناحية السياسية :
فقد كان في العالم قبل القرنيين الرابع والخامس يوجد إمبراطوريات كبرى مثل المصرية والآشورية
والرومانية والمقدونية والفارسية .
كما أن الإمبراطورية الرومانية غدت في أوج قوتها واتساعها وأصبح يحكمها الدستور وظهر فيها التعدد في عبادة الآلهة .
أما اعتباراً من القرنيين الرابع والخامس فقد ظهرت ممالك متعددة مثل "الغوط الغربيون" في "إسبانية" و "الغوط الشرقيون" في "إيطالية" و"الفرنجة" في " فرنسة" و"الواندال" في " شمال أفريقية" .
وإذا ظهرت بعض الإمبراطوريات في تلك الفترة مثل "إمبراطورية شارلمان" فإن هذه الإمبراطورية كانت قوية من الناحية السياسية لكنها ضعيفة من الناحية الاقتصادية ، كما أنها كانت مرتبطة بشخصية إمبراطورها ، لذلك عندما مات " شارلمان" ضعفت هذه الإمبراطورية ثم سقطت .
2- من الناحية الاقتصادية و الاجتماعية :
كان ينتشر في الإمبراطورية الرومانية " نظام العبودية"، أما فيما بعد فقد تناقص عدد العبيد في القرنيين الرابع والخامس الميلاديين ، وأصبحت " طبقة الكولون" هي الطبقة المنتجة الرئيسية ، وتدرجياً رسخت أسس النظام الإقطاعي ، فأصبحت طبقة "الأقنان" هي الطبقة الرئيسية المنتجة ، الأمر الذي أدى بالتالي إلى انتشار وسيادة النظام والعلاقات الإقطاعية بدلاً من النظام والعلاقات العبودية .
3- من الناحية الفكرية :
تميزت العصور القديمة بسيطرة الوثنية وعبادة الآلهة المتعددة ، أما في القرنين الرابع والخامس ظهرت وانتشرت الديانة المسيحية القائمة على عبادة إله واحد بدلاً من الآلهة المتعددة ، كما اعترف " قسطنطين الأول الكبير" بالمسيحية ديانة رسمية للدولة .
- كما تم اعتبار القرنيين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين نهاية العصور الوسطى لأنه حصلت تطورات مختلفة في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية .
1- من الناحية السياسية :
ففي ( سنة 1453 م ) فتح العثمانيون الأتراك " القسطنطينية" عاصمة الدولة البيزنطية ، كما توقفت " حرب المئة عام " بين " فرنسا" و"إنكلترة" ، كما انضمت " بروسيا الغربية " إلى " بولونيا " ( سنة 1466م ) ، كما تحررت " روسيا" من الاستعمار المغولي ( سنة 1480 م ) ، كما خرجت "الأندلس"
و إسبانية من أيدي العرب المسلمين ( سنة 1492 م ) ، كما تم اكتشاف أمريكا في نفس السنة ، كما بدأت حركة إصلاحية في " ألمانية" ، ونهضة ثقافية في " إيطالية " ، وبالتالي تشكلت دول قومية في أوربة ، وحلت فكرة التعدد محل فكرة الوحدة .
2- من الناحية الاقتصادية و الاجتماعية :
فقد انقلب الاقتصاد الزراعي المغلق السائد في العصور الوسطى إلى اقتصاد صناعي – تجاري منفتح ينزع إلى الرأسمالية و المبادلة الدولية ، و بالتالي أطاحت القوى الإقطاعية بالقوى البرجوازية وحلت محلها في استغلال الطبقات الكادحة .
3- من الناحية الفكرية :
فقد أخذت المفاهيم الدينية المألوفة في العصورالوسطى تتغير ، كما تحررت العقلية الأوربية من سيطرة الدين ، كما دحرت الكنيسة أمام الفكر العلماني في النواحي كافة ، كما قامت الحكة الإنسانية ببعث الثقافة الكلاسيكية ( اليونانية و الرومانية) ، كما بدأت آلات الطباعة تنشر الأفكار التقدمية .
أما أول من أطلق اصطلاح العصور الوسطى أو العصر الوسيط فهم " الأدباء الإنسانيون " الإيطاليون في القرنيين الخامس و السادس عشر الميلاديين ، ولقد نظر الإنسانيون إلى الثقافة الكلاسيكية على أنها ثقافة جيدة جداً وأعجبوا بها وخاصة " بترارك"، بينما نظروا إلى الفترة الزمنية المحددة بسقوط "روما" وسقوط "القسطنطينية" على أنها فترة جهل وظلام مرت بها أوربا .
البرابرة
أطلق اليونان و الرومان كلمة برابرة على كل الشعوب التي لا تتكلم اليونانية أو اللاتينية ، وأهم هذه الشعوب :
1- الكلت :
عاش " الكلت" في البدء في شمال أوربا ، وكان الرومان يسمونهم " الغال" ، تحركوا في القرن الخامس ق . م من موطنهم الأصلي ، فاستقر أكثرهم في " فرنسة"(غاليا) ولذلك سميت باسمهم ، وقسم آخر في " بريطانية" و" إيرلندا " و" إسبانية " ، كما وصل بعضهم إلى " البلقان " و" آسيا الصغرى" ، وقد عاشوا على شكل قبائل وشكلوا أحياناً تحالفات فيما بينهم لكنها لم ترقى إلى مستوى الدولة ، وفي القرن الأول ق . م ظهرت الفروق الطبقية في المجتمع الكلتي ، ثم احتل الرومان "غاليا" ، وفي القرن الأول الميلادي احتلوا " بريطانية" لذلك تأثر "الكلت" في هذين البلدين بالحضارة الرومانية. 2- الجرمان :
تشكل"الجرمان" من شعوب عديدة أهمها"الغوط الشرقيون" و"الغوط الغربيون" و"الواندال"و"الألان"
و"البرجنديون" و"اللومبارديون" و"الفرنجة" و"الأنغلوسكسون" و"الألمان" و"النورمانديون" وغيرهم
فالمناطق المحيطة بـ" بحرالبلطيق" هي الموطن الأصلي للجرمان ، ومن هناك انحدروا نحو الجنوب حتى وصلوا حدود الإمبراطورية الرومانية ، وكانوا في البداية يهتمون بتربية الحيوانات و الصيد أكثر من الزراعة ، كما كانت تسود بينهم العلاقات القبلية البدائية ، فقد عاشوا على شكل قبائل متفرقة وأحياناً كانت تتحد عدة قبائل بقيادة زعيم واحد لتنفيذ عملية حربية معينة ، وذلك حسب ما كتب عنهم حاكم "غاليا"الروماني" يوليوس قيصر"(بين سنتي 58 – 52 ق. م) في النصف الأول من القرن الأول ق.م .
أما في القرن الأول الميلادي فقد حدثت تطورات في العلاقات الاقتصادية و الاجتماعية عند " الجرمان" ونلاحظ ذلك من خلال كتاب"جرمانا" للمؤرخ الروماني " تاسيتوس" ( سنة 98 م ) ، فقد ذكر أنهم أصبحوا يهتمون بالزراعة أكثر من ذي قبل ، كما أخذوا يميلون إلى الاستقرار أكثر من ميلهم إلى الحياة الحربية ، كما اهتموا بالصناعة مثل " حياكة المنسوجات الصوفية والكتانية" و" صناعة الأواني الفخارية " و" الأدوات المعدنية " ، كما كانوا يبيعون " الملح" و" المعادن" و " الكهرمان" للرومان من أجل الحصول على العملة الذهبية والفضية .
كما أصبحت تظهر الفروق الطبقية حيث ظهرت طبقة أرستقراطية قبلية امتلكت الأراضي و الكثير من العبيد وقطعان الماشية .
وكان العبيد عند " الجرمان" يحصلون على حصة من الإنتاج مقابل عملهم ، أما عند الرومان كانوا يعملون مقابل الحصول على قوتهم اليومي ، وظهرت عندهم "المجالس القبلية" وكان يترأسها زعماء العشائر والبطون فكان الزعماء وحدهم الذين يقترحون وما على العامة ( أفراد القبيلة البسطاء ) الذين يحضرون في هذا المجلس أيضاً إلا أن يعبروا عن موافقتهم بقرقعة السلاح ويعبرون عن عدم الموافقة بالضجيج والصراخ ، ثم ظهر زعماء أشبه بالملوك وتكونت أسر حاكمة ، ولم يعرف "الجرمان" الضرائب وإنما كانوا بدلاً عنها يقدمون الهدايا إلى الأمراء والزعماء .
وقد اصطدم " الجرمان" بالرومان في القرن الأول قبل الميلاد ، فتوغل الرومان في أراضيهم بعد عبورهم لنهر الدانوب ، وفي ( سنة 9 م ) دحر " الجرمان" القوات الرومانية على ضفاف نهر الراين ، وفي الفترة الممتدة بين سنتي ( 165 – 180 م ) اخترق " الجرمان" حدود الإمبراطورية فاضطر الرومان أن يحشدوا قواتهم للتصدي للجرمان .
وزادت غارات "الجرمان" على حدود الإمبراطورية الرومانية في القرن الثالث الميلادي لأن الإمبراطورية الرومانية تعرضت في هذا القرن إلى أزمة اقتصادية خانقة بسبب ثورات العبيد وتمرد الفرق العسكرية ، وقد حصل تبادل حضاري بين الرومان و الجرمان نتيجة الاصطدامات الحربية من جهة و العلاقات السلمية والتجارية من جهة أخرى .
فقد كان بعض " الجرمان" يزورون " روما" ويتلقون فيها الثقافة اللاتينية .
3- السلاف :
كان " السلاف" يقطنون في القرنيين الأول و الثاني الميلاديين في المنطقة الواقعة بين " بحر البلطيق" شمالاً و"جبال الكربات " جنوباً .
وفي القرن السادس انحدر "السلاف" إلى ضفاف " نهر الدانوب" و شواطىء البحر الأسود الشمالية ، ثم انحدر بعضهم إلى شبه جزيرة " البلقان" في القرن السابع .
وكان هؤلاء يعيشون على الزراعة و تربية الحيوانات والصيد ، ويذكر " بروكوبيوس" أن " السلاف" كانوا قديماً يعيشون حياة قبلية ديمقراطية،أما في القرن السادس الميلادي فقد نشأة بينهم طبقةأرستقراطية
تضم أمراء العشائر و البطون ، كما برز منهم زعماء يترأسون قبيلة واحدة أو عدة قبائل في أوقات الحروب ، كما عرفوا " المجالس القبلية " المكونة من أمراء العشائر و البطون ، كما وجد عندهم العبيد ولكنهم كانوا يستعبدون العبيد إلى فترة زمنية معينة ثم يطلقون صراحهم .
وفي البدء استخدم " السلاف" أسلحة بدائية كالسيف و الترس و القوس ، ثم عرفوا الأسلحة البيزنطية المتطورة ، واشتهر " السلاف" بشجاعتهم و حبهم للحرية ، كما ذكر الإمبراطور البيزنطي " موريس"
في تقريره الحربي " أن القبائل السلافية تميل إلى الحرية و يصعب استعبادها"
ولا بد من الإشارة أن هذه المعلومات مأخوذة من المؤرخين البيزنطيين في القرن السادس الميلادي مثل " بروكوبيوس " و" أغابيوس" و" يوحنا الأفسوسي " والمؤرخ القوطي " بوردانيوس" .
4- الهون و الإمبراطورية الرومانية :
"الهون" قبائل تركية مغولية تحركوا في القرن الرابع الميلادي من " منغوليا" نحو الغرب ، فخضعت لهم القبائل القاطنة بين "الفولغا" و"الدون" و"القفقاز" ، ومنها "الألاّن" و" الغوط الشرقيون"، ثم تابعوا زحفهم غرباً حتى وصلوا " نهر الدانوب" فاضطر"الغوط الغربيون" أن يعبروا هذا النهر إلى أراضي الإمبراطورية الرومانية خوفاً من " الهون" .
كان "الهون" في البدء يعيشون على شكل قبائل متفرقة تأتمر كل واحدة منها بأمر زعيمها وقد تمكن أحد الزعماء وهو" روجيلا" أن يخضع قبائل "الهون" لسلطته ويؤسس دولة بدائية ، وعندما مات"روجيلا" ولم يكن له ولد ليخلفه ، فورث الملك ابنا أخيه " موندزوك" وهما ( بليدا و أتيلا ) .
لكن"أتيلا" قتل أخاه "بليدا" و ترأس قبائل"الهون" وحده ، واعترفت بسلطته جميع الشعوب القاطنة بين "الرين والفولغا" وقدمت له الجزية،كان"أتيلا" ذو شخصية عنيفة مرعبة ورجل حرب قاسي،أطلق عليه معاصروه"بلاء الرب" وقد قال عن نفسه:" لن تنبت الأعشاب حيث يضرب حصاني الأرض بحوافره".
وكان له طريقة في الحروب هي إبادة المغلوبين حتى آخرهم أو إجبارهم على الانضمام إلى جيشه .
تحرك " أتيلا" بجيشه نحو الغرب حتى وصل إلى ط غاليا" (فرنسا) ( سنة 451 م ) ، ولصد هذا الخطر الداهم من الشرق تحالف القائد الروماني"آئسيوس" مع بعض القبائل الجرمانية ، وفي "غاليا" جرت معركة بين"الهون" والجيوش الرومانية في منطقة "السهول الكاتالونية" حيث هزم فيها "الهون" وتقهقروا إلى "إيطالية" ولم يلاحقهم الرومان بسبب الخلاف مع حلفائهم الجرمان ، وفي "إيطالية" أخذ " أتيلا" يستعد لاحتلال " روما"، لكن جيشه أصيب بمرض الطاعون ، فاضطر أن يقبل بفدية مالية من الرومان مقابل إجلاء قواته من "إيطالية" ، وفي (سنة 453 م) مات "أتيلا" ونشب الخلاف بين الهون أنفسهم ، مما أدى إلى تمزق وحدتهم وتشتتهم .
- تشكل الممالك البربرية على أراضي الإمبراطورية الرومانية :
1- مملكة الغوط الغربيون في جنوب غاليا :
عندما زحفوا "الهون" إلى أوربة في النصف الثاني من القرن الرابع الميلادي فر "الغوط الغربيون" أمامهم وطلبوا من إمبراطور " القسطنطينية" " فالانس" ( 364 – 378 م ) أن يسمح لهم بعبور نهر الدانوب إلى أراضي الإمبراطورية الرومانية فواق على طلبهم وسمح لهم بالإقامة في إقليم " ميزيا " جنوب نهر الدانوب الأدنى ، مقابل أن يكونوا حلفاء للرومان ، و وعدهم " فالانس" بالإعفاء من الضرائب ، ولكن سرعان ما فرض الرومان عليهم ضرائب باهظة ، لذلك قاموا بالثورة و أوقعوا الهزيمة ببيزنطة وقتلوا الإمبراطور " فالانس" في معركة جرت عند مدينة " أدريانوبل"(سنة 378 م).
و هدد " الغوط الغربيون" العاصمة البيزنطية في عهد الإمبراطور" تيودوسيوس الأول"(378-395م) لذلك سمح لهم بالإقامة في منطقة " تراكيا" في الشمال الشرقي من البلقان ، وبعد وفاة " تيودوسيوس الأول " نقد " الغوط" الاتفاق وهاجموا " مقدونيا" و " اليونان" بقيادة زعيمهم " ألارك" ، لذلك طلب إمبراطور" القسطنطينية"" أركاديوس" المساعدة من أخيه " أونوريوس" ( إمبراطور روما ) فجاءت القوات العسكرية من" روما" بقيادة " ستيليكو" ( 397 م ) لذلك انسحب الغوط من اليونان وتجمعوا في شبه جزيرة " المورة" ، وكان باستطاعة " ستيليكو" أن يطبق بقواته عليهم ولكنه لم يفعل ذلك ربما لتعاطفه معهم لأنه من أصل بربري أو ليترك سلطات "القسطنطينية" و" روما" في حالة ارتباك ، ولكي يخلص" أركاديوس" القسم الشرقي من الإمبراطورية من خطرهم صالحهم ومنح زعيمهم"ألارك" لقب قائد في الجيش البيزنطي، وسمح لهم بالإقامة في القسم الشمالي من" ايليّريا" شرق البحر الأدرياتيكي . بناءً على تشجيع من " أركاديوس" تحرك "الغوط" بقيادة " ألارك" نحو " إيطالية" ( سنة 401 م ) .
ولكن " ستيليكو" أوقف زحف الغوط وتعهد بإعطائهم مساعدة مالية سنوية مقابل امتناعهم عن مهاجمة " روما" ، ورداً على ذلك اتهم إمبراطور روما " أونوريوس"" ستيليكو" بالخيانة وأعدمه ، استغل
" ألارك" مقتل " ستيليكو" للضغط على "روما" فطلب من " أونوريوس" تعينه حاكماً على المنطقة الممتدة إلى الشمال من البحر الأدرياتيكي وأن يقدم له سنوياً إعانات مالية ، لكن " أونوريوس" لم يوافق على مطالب " ألارك" فزحف "الغوط الغربيون" إلى"إيطالية" و احتلوا " روما" ( سنة 410 م ) ونهبوها بينما هرب الإمبراطور من المدينة .
بعد احتلال "روما" زحفوا إلى جنوب "إيطالية" و أرادوا احتلال " صقلية" و" شمال أفريقية" ، ولكن فشلوا في ذلك لتعرض سفنهم لعواصف بحرية ، كما مات زعيمهم " ألارك" أثناء الحملة الفاشلة .
وبعد موت " ألارك" تولى قيادة الغوط الغربيون " أوتولف" ، الذي طلب من " أونوريوس" أن يسمح للغوط بالاستيطان جنوب غرب "غاليا" ، فوافق على طلبه كما زوجه أخته " كالابلاسيديه" ، وبذلك أسس الغوط الغربيون مملكة لهم في جنوب غرب "غالية" و شمال "إسبانية" ( سنة 419 م ) واتخذوا من " تولوز" عاصمة لهذه المملكة ، ثم توسعوا جنوباً فسيطروا على معظم "إسبانية" ، وعلى الرغم من محاولة الإمبراطور البيزنطي" جستنيانوس الكبير" احتلال مملكة الغوط الغربيون في منتصف القرن السادس ، فقد ظل الغوط يحكمونها حتى فتحها العرب في أوائل القرن الثامن الميلادي فزالت مملكتهم من صفحة التاريخ .
2- قيام مملكة الفندال ( الوندال ) في شمال أفريقية و سقوطها :
الفندال قبائل جرمانية رحلت منذ مطلع القرن الخامس الميلادي من "ألمانية" إلى "إسبانية" ومنها إلى
" شمال أفريقية" وذلك في ( سنة 429 م ) بقيادة زعيمهم " جيزريك" نتيجة لضغط الغوط الغربيون عليهم ، وشكلوا مملكة لهم في "شمال إفريقية" مستفيدين من الخلافات الدينية .
و سقطت " قرطاجة" بيدهم ( سنة 439 م ) ولم تأتي ( سنة 455 م ) حتى كانت شمال أفريقية كلها قد خضعت لهم .
وكانت هذه المملكة سبباً في تدهورالإمبراطورية الرومانية في الغرب وذلك للنتائج التي أدت إليها وهي:
1- خسرت الإمبراطورية الرومانية القمح الذي كانت تحصل عليه من شمال إفريقية .
2- ضياع الجزية التي كانت تؤديها شمال إفريقية إلى الإمبراطورية الرومانية .
3- تعرضت تجارة البحر المتوسط للنهب على أيدي قراصنة الفندال .
4- أصبح الفندال أعظم قوة بحرية في غرب البحر المتوسط .
5- قطع الاتصالات البحرية بين إيطالية و بقية الغرب الأوربي .
6- في (سنة 455 م) احتل الوندال مدينة " روما"، واستباحوها مدة (14 يوماً) وقتلوا إمبراطورها.
7- أصبحت " سردينية" و" كورسيكة" و"صقلية" و" سواحل إيطالية" تحت رحمة الفندال .
8- في ( سنة 467 م ) قام الإمبراطور " ليون الأول" بحملة ضد الوندال باءت بالفشل .
- وفي ( سنة 533 م ) أرسل الإمبراطور البيزنطي " جستنيانوس الأول الكبير" قائده " بيليزاريوس" على رأس حملة عسكرية استطاعت أن تقضي على الوندال في شمال أفريقية( سنة 534 م ) .
3- مملكة الغوط الشرقيون في إيطالية :
في النصف الثاني من القرن الخامس الميلادي غمرت شبه جزيرة البلقان بالغوط الشرقيون ، الذين هددوا " القسطنطينية" بقيادة زعيمهم " ثيودوريك" ، لذلك دفع لهم الإمبراطور البيزنطي " زينون الأيسوري " مبلغاً من المال وشجعهم على التوجه إلى الغرب ، لاستعادة "إيطالية"( روما) من الأسرة الجرمانية بزعامة " آدوا كر" ، وكانت لـ " زينون " أهداف هي :
1- أن يتخلص من عبء المبالغ المالية التي كان يدفعها لـ " ثيودوريك" .
2- أن يخلص إقليم "ايليرية" من الكابوس الغوطي الذي يعيث فيه فساداً .
3- أن يسترد " زينون" سيطرته على إيطالية .
4- كما توقع " زينون" أن " ثيودوريك" سوف يساعده في تدعيم السيادة الإمبراطورية في الغرب الأوربي عامة و ليس في إيطالية فحسب .
وفي ( سنة 489 م ) توجه " ثيودوريك" نحو الغرب وهزم"آدوا كر" في موقعتين الأولى في" فيرونة"
والثانية في"ميلان"، ثم حاصره في مدينة "رافنا"، ووقع "ثيودوريك" صلحاً معه ثم عمل علىاستدراجه إلى مفاوضة وتم قتله بغتة وغدراً ، وبذلك شكل الغوط الشرقيون مملكة لهم في إيطالية ( سنة 493 م ) .
- سياسة " ثيودوريك" الخارجية :
1- عقد سلسلة من المعاهدات مع الملوك المعاصرين له ، حيث تزوج من شقيقة ملك الفرنجة
" كلوفيس" و زوج إحدى بناته إلى " ألارك الثالث " ملك الغوط الغربيين ، وزوج أخته من ملك الفندال .
2- حطم كنيسة القديس " أرستيفن" في ضواحي " فيرونة " .
3- أخذ يفكر في تأسيس مملكة جرمانية تحت قيادة الغوط تشمل إيطالية و غاليا و إسبانية .
- وبعد وفاة " ثيودوريك" تسلمت ابنته "أمالاسونثه"(أمالاسونت) الوصاية على ابنها الصغير"أتالاريك" حفيد الملك الراحل، وبعد وفاة ابنها" أتالاريك"( 534 م) و زواجها من ابن عمها" تيودات" ألقي القبض عليها وأعدمت لتعاونها مع الرومان واتصالها سراً مع الإمبراطورالبيزنطي" جستنيانوس" ( 535 م ).
- وفي ( سنة 536 م ) أرسل " جستنيانوس" حملة ضد الغوط الشرقيين نجحت في القضاء عليهم
وعادت إيطالية إلى حظيرة الإمبراطورية الرومانية .
ويمكن أن نستخلص النتائج التالية :
1- استمرت الحرب بين الطرفين ( عشرين عاماً ) .
2- كان الصراع بين الطرفين صراعاً عنيفاً .
3- قاد الجيوش البيزنطية القواد " بيليزاريوس" و" نارسيس" و" جرمانوس" ، في حين قاد الغوط الملوك " تيودات" و " تيّا" وكان أشهرهم " توتيلا" .
4- كانت خسائر البيزنطيين المنتصرين خسائر فادحة ، حيث خربت الزراعة و الصناعة و الطرق التجارية في شبه الجزيرة .
5- انتهى الصراع بين الطرفين بالقضاء على مملكة الغوط الشرقيين ( عام 555 م ) في عهد
" جستنيانوس" .
- أهم النظريات المتعلقة بسقوط الإمبراطورية الرومانية في الغرب:
1- نظرية القديس أوغسطين ( 354 – 430 م ) :
ولد "أوغسطين" من أبوين رومانيين عام ( 354 م ) في مدينة " تاجستا" ( شرقي الجزائر حالياً) وفي ( عام 395 م ) أصبح زعيماً للكنيسة الكاثوليكية في شمال إفريقية ، وفي ( عام 412 م ) ألّف كتاب سماه " مدينة الله" وكان سبب تأليفه هوأنه عندما سقطت الإمبراطورية الرومانية و عاصمتها " روما" بيد " ألارك" زعيم الغوط الغربيين (سنة 410 م) قال الوثنيين ومنهم المؤرخ الوثني " زوسيموس" صاحب كتاب "التاريخ الجديد": أن سقوطها هو انتقاماً للوثنية و أن المسيحية هي المسؤولة عن خراب الإمبراطورية الرومانية ، لذلك ألّف هذا الكتاب الذي بين فيه أن سقوط الإمبراطورية الرومانية هوإرادة ربانية ولا علاقة للمسيحية بسقوط الأمبراطورية الرومانية ، وقد ذكر في آخر كتابه أن "روما"الخاطئة سقطت لتمهد السبيل لانتصار مدينة الله الخالدة . 2- نظرية المؤرخ الإنكليزي إدوار جيبون ( 1737 – 1794 م ) :
يرى " إدوار جيبون" في كتابه " اضمحلال الإمبراطورية الرومانية و سقوطها " أن تدهور الإمبراطورية الرومانية هو نتيجة لعظمة فقدت الاعتدال فالرفاهية أنضجت مبدأ الاضمحلال والسقوط ، كما بين دور الجيوش التي أطبقت على حرية الدولة ثم حطمت جلال الملك وعظمته، كما هاجم"جيبون" المسيحية وحملها مسؤولية التدهور، وقال : بدلاً من الإنفاق على الجيش و دفع معاشات الجند راحت الأموال تعطى للرهبان الذين يدعون العالم إلى العفة والعزلة والتقشف ، وقال لقد تحول اهتمام الأباطرة من المعسكرات إلى المجالس الكنسية .
3- نظرية المؤرخ الروسي الأصل رستوفيتزف ( 1870 – 1952 م ) :
يرى " رستوفيتزف " في كتابه " التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للإمبراطورية الرومانية " أن الإمبراطورية الرومانية سقطت لأسباب يمكن أن نلخصها في النقاط التالية :
1- تسرب الطبقات الدنيا إلى الطبقات العليا و حصولها على أعلى المناصب و تمكنها من السيطرة على جيوش الإمبراطورية الرومانية .
2- يرى أن تعلم الطبقة الدنيا كان ضئيلاً لذلك لم يستوعبوا التقاليد الإمبراطورية و المثل الرومانية .
3- يرى أن الطبقات العليا لم تستطع التعاون مع العناصر الجديدة ، لذلك اندلعت الحرب الأهلية ،
و بالتالي طغت العناصر الهمجية البربرية، فأغرقت الحضارة الرومانية بالتسلل حيناً و بالفتح حيناً آخر .
4- يرى أن الحضارة لا تدوم إلا إذا أصبحت تخص كل فئات الشعب ، وليس حضارة طبقة واحدة فقط .
4- النظرية البيولوجية :
يرى أصحاب هذه النظرية أن سبب انحطاط الأمبراطورية الرومانية هو القضاء على خير العناصر في الحروب لأهلية والخارجية .
ويرى بعض هؤلاء الباحثين أن امتزاج دم الطبقات الدنيا بدم الطبقات العليا في المجتمع الروماني قد دنس الطبقات الأخيرة هذه .
ويرى فريق ثالث من الباحثين أن الطبقات العليا لا تدنس ولا يقضى عليها وإنما تنتحر بعدم التوالد ، بينما الطبقات الدنيا تتكاثر بدون قيود .
5- النظرية الاقتصادية :
يرى أصحابها أن أسباب سقوط الإمبراطورية الرومانية هي :
1- ركود التجارة ، وانخفاض الإنتاج الزراعي والصناعي وندرة الذهب والفضة في القسم الغربي من الإمبراطورية الرومانية .
2- ذلك لأن السلطات الرومانية كانت تمنع أفراد الطبقات العليا من العمل بالصناعة والتجارة ، لأن العمل من مهمات العبيد ولا يليق بالأسياد ، وهؤلاء العبيد أصبحوا قلائل بسبب توقف الفتوحات مما أدى إلى ركود التجارة و انخفاض الإنتاج الزراعي والصناعي .
3- إن تحوّل الذهب من الغرب إلى الشرق لشراء السلع الكمالية كالحرير والتوابل كان السبب في الانهيار الاقتصادي الذي أصاب الإمبراطورية وبالتالي أدى إلى سقوطها ، وسرعان ما لحق الاقتصاد بالذهب ليصبح اقتصاداَ بدائياً يعتمد على المقايضة ، بعد أن كان اقتصاداً نقدياًََ يعتمد على رأس المال .
6- نظريات أخرى :
1- هناك نظريات أخرى حيث يرى الباحث " دوسن" أن الجيش الروماني كان يتألف من المواطنين الرومانيين ثم أصبح يتألف من المرتزقة بقيادة ضباط أو قواد أنصاف سياسيين وأنصاف عسكريين مغامرين .
2- ويرى بعض الباحثين أن أسباب سقوط الإمبراطورية الرومانية هو عدم إعطاء الجماهير نصيباً في الحكم .
3- و يرى البعض الآخر أن الانحلال الأخلاقي كان سبباً في تدهور الأمبراطورية الرومانية و سقوطها.
المحاضرة الأولى
- يطلق اصطلاح العصور الوسطى على الفترة الزمنية التي تمتد من القرن الرابع الميلادي إلى القرن السادس عشر الميلادي .
واختلف المؤرخين حول تحديد بداية العصورالوسطى ونهايتها، فبعضهم يرى أن بداية العصورالوسطى (سنة 476 م) وهو تاريخ سقوط "روما" بأيدي "البرابرة الجرمان" والبعض من يعتبر العصورالوسطى ( سنة 330 م ) وهو تاريخ بناء مدينة " القسطنطينية" ، والبعض أيضاً يعتبر ( سنة 395 م ) بداية العصورالوسطى وفي هذا التاريخ انقسمت فيه الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين شرقي وغربي ، والبعض الآخر من يحدد بداية العصور الوسطى مع انتشار " المسيحية" ، والبعض الآخر يعتبر فترة "الغارات البربرية" و تشكل " الممالك الجرمانية " هو بداية العصور الوسطى .
أما نهاية العصور الوسطى فيحددها البعض بـ( سنة 1453 م ) وهو تاريخ سقوط بيزنطة بأيدي الأتراك العثمانيين .
وأيضاً يحدد البعض نهاية العصور الوسطى ب( سنة 1492 م ) تاريخ اكتشاف"أمريكا" ، والبعض من يحدد نهاية العصور الوسطى في " النهضة الثقافية" في أواخر القرن الخامس عشر و أوائل القرن السادس عشر الميلادي .
والحقيقة أن التاريخ عبارة عن حلقة متصلة لا يمكن الفصل فيه ، وإنما تم تجزئة التاريخ إلى فترات زمنية محددة حيث نقول التاريخ القديم والتاريخ الوسيط والتاريخ الحديث والتاريخ الحديث والمعاصر، والمقصود من هذا التقسيم التسهيل على الباحث و القارىء .
- وقد تم اعتبارالقرنيين الرابع والخامس الميلاديين بداية العصورالوسطى لأسباب عدة منها:
1- من الناحية السياسية :
فقد كان في العالم قبل القرنيين الرابع والخامس يوجد إمبراطوريات كبرى مثل المصرية والآشورية
والرومانية والمقدونية والفارسية .
كما أن الإمبراطورية الرومانية غدت في أوج قوتها واتساعها وأصبح يحكمها الدستور وظهر فيها التعدد في عبادة الآلهة .
أما اعتباراً من القرنيين الرابع والخامس فقد ظهرت ممالك متعددة مثل "الغوط الغربيون" في "إسبانية" و "الغوط الشرقيون" في "إيطالية" و"الفرنجة" في " فرنسة" و"الواندال" في " شمال أفريقية" .
وإذا ظهرت بعض الإمبراطوريات في تلك الفترة مثل "إمبراطورية شارلمان" فإن هذه الإمبراطورية كانت قوية من الناحية السياسية لكنها ضعيفة من الناحية الاقتصادية ، كما أنها كانت مرتبطة بشخصية إمبراطورها ، لذلك عندما مات " شارلمان" ضعفت هذه الإمبراطورية ثم سقطت .
2- من الناحية الاقتصادية و الاجتماعية :
كان ينتشر في الإمبراطورية الرومانية " نظام العبودية"، أما فيما بعد فقد تناقص عدد العبيد في القرنيين الرابع والخامس الميلاديين ، وأصبحت " طبقة الكولون" هي الطبقة المنتجة الرئيسية ، وتدرجياً رسخت أسس النظام الإقطاعي ، فأصبحت طبقة "الأقنان" هي الطبقة الرئيسية المنتجة ، الأمر الذي أدى بالتالي إلى انتشار وسيادة النظام والعلاقات الإقطاعية بدلاً من النظام والعلاقات العبودية .
3- من الناحية الفكرية :
تميزت العصور القديمة بسيطرة الوثنية وعبادة الآلهة المتعددة ، أما في القرنين الرابع والخامس ظهرت وانتشرت الديانة المسيحية القائمة على عبادة إله واحد بدلاً من الآلهة المتعددة ، كما اعترف " قسطنطين الأول الكبير" بالمسيحية ديانة رسمية للدولة .
- كما تم اعتبار القرنيين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين نهاية العصور الوسطى لأنه حصلت تطورات مختلفة في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية .
1- من الناحية السياسية :
ففي ( سنة 1453 م ) فتح العثمانيون الأتراك " القسطنطينية" عاصمة الدولة البيزنطية ، كما توقفت " حرب المئة عام " بين " فرنسا" و"إنكلترة" ، كما انضمت " بروسيا الغربية " إلى " بولونيا " ( سنة 1466م ) ، كما تحررت " روسيا" من الاستعمار المغولي ( سنة 1480 م ) ، كما خرجت "الأندلس"
و إسبانية من أيدي العرب المسلمين ( سنة 1492 م ) ، كما تم اكتشاف أمريكا في نفس السنة ، كما بدأت حركة إصلاحية في " ألمانية" ، ونهضة ثقافية في " إيطالية " ، وبالتالي تشكلت دول قومية في أوربة ، وحلت فكرة التعدد محل فكرة الوحدة .
2- من الناحية الاقتصادية و الاجتماعية :
فقد انقلب الاقتصاد الزراعي المغلق السائد في العصور الوسطى إلى اقتصاد صناعي – تجاري منفتح ينزع إلى الرأسمالية و المبادلة الدولية ، و بالتالي أطاحت القوى الإقطاعية بالقوى البرجوازية وحلت محلها في استغلال الطبقات الكادحة .
3- من الناحية الفكرية :
فقد أخذت المفاهيم الدينية المألوفة في العصورالوسطى تتغير ، كما تحررت العقلية الأوربية من سيطرة الدين ، كما دحرت الكنيسة أمام الفكر العلماني في النواحي كافة ، كما قامت الحكة الإنسانية ببعث الثقافة الكلاسيكية ( اليونانية و الرومانية) ، كما بدأت آلات الطباعة تنشر الأفكار التقدمية .
أما أول من أطلق اصطلاح العصور الوسطى أو العصر الوسيط فهم " الأدباء الإنسانيون " الإيطاليون في القرنيين الخامس و السادس عشر الميلاديين ، ولقد نظر الإنسانيون إلى الثقافة الكلاسيكية على أنها ثقافة جيدة جداً وأعجبوا بها وخاصة " بترارك"، بينما نظروا إلى الفترة الزمنية المحددة بسقوط "روما" وسقوط "القسطنطينية" على أنها فترة جهل وظلام مرت بها أوربا .
البرابرة
أطلق اليونان و الرومان كلمة برابرة على كل الشعوب التي لا تتكلم اليونانية أو اللاتينية ، وأهم هذه الشعوب :
1- الكلت :
عاش " الكلت" في البدء في شمال أوربا ، وكان الرومان يسمونهم " الغال" ، تحركوا في القرن الخامس ق . م من موطنهم الأصلي ، فاستقر أكثرهم في " فرنسة"(غاليا) ولذلك سميت باسمهم ، وقسم آخر في " بريطانية" و" إيرلندا " و" إسبانية " ، كما وصل بعضهم إلى " البلقان " و" آسيا الصغرى" ، وقد عاشوا على شكل قبائل وشكلوا أحياناً تحالفات فيما بينهم لكنها لم ترقى إلى مستوى الدولة ، وفي القرن الأول ق . م ظهرت الفروق الطبقية في المجتمع الكلتي ، ثم احتل الرومان "غاليا" ، وفي القرن الأول الميلادي احتلوا " بريطانية" لذلك تأثر "الكلت" في هذين البلدين بالحضارة الرومانية. 2- الجرمان :
تشكل"الجرمان" من شعوب عديدة أهمها"الغوط الشرقيون" و"الغوط الغربيون" و"الواندال"و"الألان"
و"البرجنديون" و"اللومبارديون" و"الفرنجة" و"الأنغلوسكسون" و"الألمان" و"النورمانديون" وغيرهم
فالمناطق المحيطة بـ" بحرالبلطيق" هي الموطن الأصلي للجرمان ، ومن هناك انحدروا نحو الجنوب حتى وصلوا حدود الإمبراطورية الرومانية ، وكانوا في البداية يهتمون بتربية الحيوانات و الصيد أكثر من الزراعة ، كما كانت تسود بينهم العلاقات القبلية البدائية ، فقد عاشوا على شكل قبائل متفرقة وأحياناً كانت تتحد عدة قبائل بقيادة زعيم واحد لتنفيذ عملية حربية معينة ، وذلك حسب ما كتب عنهم حاكم "غاليا"الروماني" يوليوس قيصر"(بين سنتي 58 – 52 ق. م) في النصف الأول من القرن الأول ق.م .
أما في القرن الأول الميلادي فقد حدثت تطورات في العلاقات الاقتصادية و الاجتماعية عند " الجرمان" ونلاحظ ذلك من خلال كتاب"جرمانا" للمؤرخ الروماني " تاسيتوس" ( سنة 98 م ) ، فقد ذكر أنهم أصبحوا يهتمون بالزراعة أكثر من ذي قبل ، كما أخذوا يميلون إلى الاستقرار أكثر من ميلهم إلى الحياة الحربية ، كما اهتموا بالصناعة مثل " حياكة المنسوجات الصوفية والكتانية" و" صناعة الأواني الفخارية " و" الأدوات المعدنية " ، كما كانوا يبيعون " الملح" و" المعادن" و " الكهرمان" للرومان من أجل الحصول على العملة الذهبية والفضية .
كما أصبحت تظهر الفروق الطبقية حيث ظهرت طبقة أرستقراطية قبلية امتلكت الأراضي و الكثير من العبيد وقطعان الماشية .
وكان العبيد عند " الجرمان" يحصلون على حصة من الإنتاج مقابل عملهم ، أما عند الرومان كانوا يعملون مقابل الحصول على قوتهم اليومي ، وظهرت عندهم "المجالس القبلية" وكان يترأسها زعماء العشائر والبطون فكان الزعماء وحدهم الذين يقترحون وما على العامة ( أفراد القبيلة البسطاء ) الذين يحضرون في هذا المجلس أيضاً إلا أن يعبروا عن موافقتهم بقرقعة السلاح ويعبرون عن عدم الموافقة بالضجيج والصراخ ، ثم ظهر زعماء أشبه بالملوك وتكونت أسر حاكمة ، ولم يعرف "الجرمان" الضرائب وإنما كانوا بدلاً عنها يقدمون الهدايا إلى الأمراء والزعماء .
وقد اصطدم " الجرمان" بالرومان في القرن الأول قبل الميلاد ، فتوغل الرومان في أراضيهم بعد عبورهم لنهر الدانوب ، وفي ( سنة 9 م ) دحر " الجرمان" القوات الرومانية على ضفاف نهر الراين ، وفي الفترة الممتدة بين سنتي ( 165 – 180 م ) اخترق " الجرمان" حدود الإمبراطورية فاضطر الرومان أن يحشدوا قواتهم للتصدي للجرمان .
وزادت غارات "الجرمان" على حدود الإمبراطورية الرومانية في القرن الثالث الميلادي لأن الإمبراطورية الرومانية تعرضت في هذا القرن إلى أزمة اقتصادية خانقة بسبب ثورات العبيد وتمرد الفرق العسكرية ، وقد حصل تبادل حضاري بين الرومان و الجرمان نتيجة الاصطدامات الحربية من جهة و العلاقات السلمية والتجارية من جهة أخرى .
فقد كان بعض " الجرمان" يزورون " روما" ويتلقون فيها الثقافة اللاتينية .
3- السلاف :
كان " السلاف" يقطنون في القرنيين الأول و الثاني الميلاديين في المنطقة الواقعة بين " بحر البلطيق" شمالاً و"جبال الكربات " جنوباً .
وفي القرن السادس انحدر "السلاف" إلى ضفاف " نهر الدانوب" و شواطىء البحر الأسود الشمالية ، ثم انحدر بعضهم إلى شبه جزيرة " البلقان" في القرن السابع .
وكان هؤلاء يعيشون على الزراعة و تربية الحيوانات والصيد ، ويذكر " بروكوبيوس" أن " السلاف" كانوا قديماً يعيشون حياة قبلية ديمقراطية،أما في القرن السادس الميلادي فقد نشأة بينهم طبقةأرستقراطية
تضم أمراء العشائر و البطون ، كما برز منهم زعماء يترأسون قبيلة واحدة أو عدة قبائل في أوقات الحروب ، كما عرفوا " المجالس القبلية " المكونة من أمراء العشائر و البطون ، كما وجد عندهم العبيد ولكنهم كانوا يستعبدون العبيد إلى فترة زمنية معينة ثم يطلقون صراحهم .
وفي البدء استخدم " السلاف" أسلحة بدائية كالسيف و الترس و القوس ، ثم عرفوا الأسلحة البيزنطية المتطورة ، واشتهر " السلاف" بشجاعتهم و حبهم للحرية ، كما ذكر الإمبراطور البيزنطي " موريس"
في تقريره الحربي " أن القبائل السلافية تميل إلى الحرية و يصعب استعبادها"
ولا بد من الإشارة أن هذه المعلومات مأخوذة من المؤرخين البيزنطيين في القرن السادس الميلادي مثل " بروكوبيوس " و" أغابيوس" و" يوحنا الأفسوسي " والمؤرخ القوطي " بوردانيوس" .
4- الهون و الإمبراطورية الرومانية :
"الهون" قبائل تركية مغولية تحركوا في القرن الرابع الميلادي من " منغوليا" نحو الغرب ، فخضعت لهم القبائل القاطنة بين "الفولغا" و"الدون" و"القفقاز" ، ومنها "الألاّن" و" الغوط الشرقيون"، ثم تابعوا زحفهم غرباً حتى وصلوا " نهر الدانوب" فاضطر"الغوط الغربيون" أن يعبروا هذا النهر إلى أراضي الإمبراطورية الرومانية خوفاً من " الهون" .
كان "الهون" في البدء يعيشون على شكل قبائل متفرقة تأتمر كل واحدة منها بأمر زعيمها وقد تمكن أحد الزعماء وهو" روجيلا" أن يخضع قبائل "الهون" لسلطته ويؤسس دولة بدائية ، وعندما مات"روجيلا" ولم يكن له ولد ليخلفه ، فورث الملك ابنا أخيه " موندزوك" وهما ( بليدا و أتيلا ) .
لكن"أتيلا" قتل أخاه "بليدا" و ترأس قبائل"الهون" وحده ، واعترفت بسلطته جميع الشعوب القاطنة بين "الرين والفولغا" وقدمت له الجزية،كان"أتيلا" ذو شخصية عنيفة مرعبة ورجل حرب قاسي،أطلق عليه معاصروه"بلاء الرب" وقد قال عن نفسه:" لن تنبت الأعشاب حيث يضرب حصاني الأرض بحوافره".
وكان له طريقة في الحروب هي إبادة المغلوبين حتى آخرهم أو إجبارهم على الانضمام إلى جيشه .
تحرك " أتيلا" بجيشه نحو الغرب حتى وصل إلى ط غاليا" (فرنسا) ( سنة 451 م ) ، ولصد هذا الخطر الداهم من الشرق تحالف القائد الروماني"آئسيوس" مع بعض القبائل الجرمانية ، وفي "غاليا" جرت معركة بين"الهون" والجيوش الرومانية في منطقة "السهول الكاتالونية" حيث هزم فيها "الهون" وتقهقروا إلى "إيطالية" ولم يلاحقهم الرومان بسبب الخلاف مع حلفائهم الجرمان ، وفي "إيطالية" أخذ " أتيلا" يستعد لاحتلال " روما"، لكن جيشه أصيب بمرض الطاعون ، فاضطر أن يقبل بفدية مالية من الرومان مقابل إجلاء قواته من "إيطالية" ، وفي (سنة 453 م) مات "أتيلا" ونشب الخلاف بين الهون أنفسهم ، مما أدى إلى تمزق وحدتهم وتشتتهم .
- تشكل الممالك البربرية على أراضي الإمبراطورية الرومانية :
1- مملكة الغوط الغربيون في جنوب غاليا :
عندما زحفوا "الهون" إلى أوربة في النصف الثاني من القرن الرابع الميلادي فر "الغوط الغربيون" أمامهم وطلبوا من إمبراطور " القسطنطينية" " فالانس" ( 364 – 378 م ) أن يسمح لهم بعبور نهر الدانوب إلى أراضي الإمبراطورية الرومانية فواق على طلبهم وسمح لهم بالإقامة في إقليم " ميزيا " جنوب نهر الدانوب الأدنى ، مقابل أن يكونوا حلفاء للرومان ، و وعدهم " فالانس" بالإعفاء من الضرائب ، ولكن سرعان ما فرض الرومان عليهم ضرائب باهظة ، لذلك قاموا بالثورة و أوقعوا الهزيمة ببيزنطة وقتلوا الإمبراطور " فالانس" في معركة جرت عند مدينة " أدريانوبل"(سنة 378 م).
و هدد " الغوط الغربيون" العاصمة البيزنطية في عهد الإمبراطور" تيودوسيوس الأول"(378-395م) لذلك سمح لهم بالإقامة في منطقة " تراكيا" في الشمال الشرقي من البلقان ، وبعد وفاة " تيودوسيوس الأول " نقد " الغوط" الاتفاق وهاجموا " مقدونيا" و " اليونان" بقيادة زعيمهم " ألارك" ، لذلك طلب إمبراطور" القسطنطينية"" أركاديوس" المساعدة من أخيه " أونوريوس" ( إمبراطور روما ) فجاءت القوات العسكرية من" روما" بقيادة " ستيليكو" ( 397 م ) لذلك انسحب الغوط من اليونان وتجمعوا في شبه جزيرة " المورة" ، وكان باستطاعة " ستيليكو" أن يطبق بقواته عليهم ولكنه لم يفعل ذلك ربما لتعاطفه معهم لأنه من أصل بربري أو ليترك سلطات "القسطنطينية" و" روما" في حالة ارتباك ، ولكي يخلص" أركاديوس" القسم الشرقي من الإمبراطورية من خطرهم صالحهم ومنح زعيمهم"ألارك" لقب قائد في الجيش البيزنطي، وسمح لهم بالإقامة في القسم الشمالي من" ايليّريا" شرق البحر الأدرياتيكي . بناءً على تشجيع من " أركاديوس" تحرك "الغوط" بقيادة " ألارك" نحو " إيطالية" ( سنة 401 م ) .
ولكن " ستيليكو" أوقف زحف الغوط وتعهد بإعطائهم مساعدة مالية سنوية مقابل امتناعهم عن مهاجمة " روما" ، ورداً على ذلك اتهم إمبراطور روما " أونوريوس"" ستيليكو" بالخيانة وأعدمه ، استغل
" ألارك" مقتل " ستيليكو" للضغط على "روما" فطلب من " أونوريوس" تعينه حاكماً على المنطقة الممتدة إلى الشمال من البحر الأدرياتيكي وأن يقدم له سنوياً إعانات مالية ، لكن " أونوريوس" لم يوافق على مطالب " ألارك" فزحف "الغوط الغربيون" إلى"إيطالية" و احتلوا " روما" ( سنة 410 م ) ونهبوها بينما هرب الإمبراطور من المدينة .
بعد احتلال "روما" زحفوا إلى جنوب "إيطالية" و أرادوا احتلال " صقلية" و" شمال أفريقية" ، ولكن فشلوا في ذلك لتعرض سفنهم لعواصف بحرية ، كما مات زعيمهم " ألارك" أثناء الحملة الفاشلة .
وبعد موت " ألارك" تولى قيادة الغوط الغربيون " أوتولف" ، الذي طلب من " أونوريوس" أن يسمح للغوط بالاستيطان جنوب غرب "غاليا" ، فوافق على طلبه كما زوجه أخته " كالابلاسيديه" ، وبذلك أسس الغوط الغربيون مملكة لهم في جنوب غرب "غالية" و شمال "إسبانية" ( سنة 419 م ) واتخذوا من " تولوز" عاصمة لهذه المملكة ، ثم توسعوا جنوباً فسيطروا على معظم "إسبانية" ، وعلى الرغم من محاولة الإمبراطور البيزنطي" جستنيانوس الكبير" احتلال مملكة الغوط الغربيون في منتصف القرن السادس ، فقد ظل الغوط يحكمونها حتى فتحها العرب في أوائل القرن الثامن الميلادي فزالت مملكتهم من صفحة التاريخ .
2- قيام مملكة الفندال ( الوندال ) في شمال أفريقية و سقوطها :
الفندال قبائل جرمانية رحلت منذ مطلع القرن الخامس الميلادي من "ألمانية" إلى "إسبانية" ومنها إلى
" شمال أفريقية" وذلك في ( سنة 429 م ) بقيادة زعيمهم " جيزريك" نتيجة لضغط الغوط الغربيون عليهم ، وشكلوا مملكة لهم في "شمال إفريقية" مستفيدين من الخلافات الدينية .
و سقطت " قرطاجة" بيدهم ( سنة 439 م ) ولم تأتي ( سنة 455 م ) حتى كانت شمال أفريقية كلها قد خضعت لهم .
وكانت هذه المملكة سبباً في تدهورالإمبراطورية الرومانية في الغرب وذلك للنتائج التي أدت إليها وهي:
1- خسرت الإمبراطورية الرومانية القمح الذي كانت تحصل عليه من شمال إفريقية .
2- ضياع الجزية التي كانت تؤديها شمال إفريقية إلى الإمبراطورية الرومانية .
3- تعرضت تجارة البحر المتوسط للنهب على أيدي قراصنة الفندال .
4- أصبح الفندال أعظم قوة بحرية في غرب البحر المتوسط .
5- قطع الاتصالات البحرية بين إيطالية و بقية الغرب الأوربي .
6- في (سنة 455 م) احتل الوندال مدينة " روما"، واستباحوها مدة (14 يوماً) وقتلوا إمبراطورها.
7- أصبحت " سردينية" و" كورسيكة" و"صقلية" و" سواحل إيطالية" تحت رحمة الفندال .
8- في ( سنة 467 م ) قام الإمبراطور " ليون الأول" بحملة ضد الوندال باءت بالفشل .
- وفي ( سنة 533 م ) أرسل الإمبراطور البيزنطي " جستنيانوس الأول الكبير" قائده " بيليزاريوس" على رأس حملة عسكرية استطاعت أن تقضي على الوندال في شمال أفريقية( سنة 534 م ) .
3- مملكة الغوط الشرقيون في إيطالية :
في النصف الثاني من القرن الخامس الميلادي غمرت شبه جزيرة البلقان بالغوط الشرقيون ، الذين هددوا " القسطنطينية" بقيادة زعيمهم " ثيودوريك" ، لذلك دفع لهم الإمبراطور البيزنطي " زينون الأيسوري " مبلغاً من المال وشجعهم على التوجه إلى الغرب ، لاستعادة "إيطالية"( روما) من الأسرة الجرمانية بزعامة " آدوا كر" ، وكانت لـ " زينون " أهداف هي :
1- أن يتخلص من عبء المبالغ المالية التي كان يدفعها لـ " ثيودوريك" .
2- أن يخلص إقليم "ايليرية" من الكابوس الغوطي الذي يعيث فيه فساداً .
3- أن يسترد " زينون" سيطرته على إيطالية .
4- كما توقع " زينون" أن " ثيودوريك" سوف يساعده في تدعيم السيادة الإمبراطورية في الغرب الأوربي عامة و ليس في إيطالية فحسب .
وفي ( سنة 489 م ) توجه " ثيودوريك" نحو الغرب وهزم"آدوا كر" في موقعتين الأولى في" فيرونة"
والثانية في"ميلان"، ثم حاصره في مدينة "رافنا"، ووقع "ثيودوريك" صلحاً معه ثم عمل علىاستدراجه إلى مفاوضة وتم قتله بغتة وغدراً ، وبذلك شكل الغوط الشرقيون مملكة لهم في إيطالية ( سنة 493 م ) .
- سياسة " ثيودوريك" الخارجية :
1- عقد سلسلة من المعاهدات مع الملوك المعاصرين له ، حيث تزوج من شقيقة ملك الفرنجة
" كلوفيس" و زوج إحدى بناته إلى " ألارك الثالث " ملك الغوط الغربيين ، وزوج أخته من ملك الفندال .
2- حطم كنيسة القديس " أرستيفن" في ضواحي " فيرونة " .
3- أخذ يفكر في تأسيس مملكة جرمانية تحت قيادة الغوط تشمل إيطالية و غاليا و إسبانية .
- وبعد وفاة " ثيودوريك" تسلمت ابنته "أمالاسونثه"(أمالاسونت) الوصاية على ابنها الصغير"أتالاريك" حفيد الملك الراحل، وبعد وفاة ابنها" أتالاريك"( 534 م) و زواجها من ابن عمها" تيودات" ألقي القبض عليها وأعدمت لتعاونها مع الرومان واتصالها سراً مع الإمبراطورالبيزنطي" جستنيانوس" ( 535 م ).
- وفي ( سنة 536 م ) أرسل " جستنيانوس" حملة ضد الغوط الشرقيين نجحت في القضاء عليهم
وعادت إيطالية إلى حظيرة الإمبراطورية الرومانية .
ويمكن أن نستخلص النتائج التالية :
1- استمرت الحرب بين الطرفين ( عشرين عاماً ) .
2- كان الصراع بين الطرفين صراعاً عنيفاً .
3- قاد الجيوش البيزنطية القواد " بيليزاريوس" و" نارسيس" و" جرمانوس" ، في حين قاد الغوط الملوك " تيودات" و " تيّا" وكان أشهرهم " توتيلا" .
4- كانت خسائر البيزنطيين المنتصرين خسائر فادحة ، حيث خربت الزراعة و الصناعة و الطرق التجارية في شبه الجزيرة .
5- انتهى الصراع بين الطرفين بالقضاء على مملكة الغوط الشرقيين ( عام 555 م ) في عهد
" جستنيانوس" .
- أهم النظريات المتعلقة بسقوط الإمبراطورية الرومانية في الغرب:
1- نظرية القديس أوغسطين ( 354 – 430 م ) :
ولد "أوغسطين" من أبوين رومانيين عام ( 354 م ) في مدينة " تاجستا" ( شرقي الجزائر حالياً) وفي ( عام 395 م ) أصبح زعيماً للكنيسة الكاثوليكية في شمال إفريقية ، وفي ( عام 412 م ) ألّف كتاب سماه " مدينة الله" وكان سبب تأليفه هوأنه عندما سقطت الإمبراطورية الرومانية و عاصمتها " روما" بيد " ألارك" زعيم الغوط الغربيين (سنة 410 م) قال الوثنيين ومنهم المؤرخ الوثني " زوسيموس" صاحب كتاب "التاريخ الجديد": أن سقوطها هو انتقاماً للوثنية و أن المسيحية هي المسؤولة عن خراب الإمبراطورية الرومانية ، لذلك ألّف هذا الكتاب الذي بين فيه أن سقوط الإمبراطورية الرومانية هوإرادة ربانية ولا علاقة للمسيحية بسقوط الأمبراطورية الرومانية ، وقد ذكر في آخر كتابه أن "روما"الخاطئة سقطت لتمهد السبيل لانتصار مدينة الله الخالدة . 2- نظرية المؤرخ الإنكليزي إدوار جيبون ( 1737 – 1794 م ) :
يرى " إدوار جيبون" في كتابه " اضمحلال الإمبراطورية الرومانية و سقوطها " أن تدهور الإمبراطورية الرومانية هو نتيجة لعظمة فقدت الاعتدال فالرفاهية أنضجت مبدأ الاضمحلال والسقوط ، كما بين دور الجيوش التي أطبقت على حرية الدولة ثم حطمت جلال الملك وعظمته، كما هاجم"جيبون" المسيحية وحملها مسؤولية التدهور، وقال : بدلاً من الإنفاق على الجيش و دفع معاشات الجند راحت الأموال تعطى للرهبان الذين يدعون العالم إلى العفة والعزلة والتقشف ، وقال لقد تحول اهتمام الأباطرة من المعسكرات إلى المجالس الكنسية .
3- نظرية المؤرخ الروسي الأصل رستوفيتزف ( 1870 – 1952 م ) :
يرى " رستوفيتزف " في كتابه " التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للإمبراطورية الرومانية " أن الإمبراطورية الرومانية سقطت لأسباب يمكن أن نلخصها في النقاط التالية :
1- تسرب الطبقات الدنيا إلى الطبقات العليا و حصولها على أعلى المناصب و تمكنها من السيطرة على جيوش الإمبراطورية الرومانية .
2- يرى أن تعلم الطبقة الدنيا كان ضئيلاً لذلك لم يستوعبوا التقاليد الإمبراطورية و المثل الرومانية .
3- يرى أن الطبقات العليا لم تستطع التعاون مع العناصر الجديدة ، لذلك اندلعت الحرب الأهلية ،
و بالتالي طغت العناصر الهمجية البربرية، فأغرقت الحضارة الرومانية بالتسلل حيناً و بالفتح حيناً آخر .
4- يرى أن الحضارة لا تدوم إلا إذا أصبحت تخص كل فئات الشعب ، وليس حضارة طبقة واحدة فقط .
4- النظرية البيولوجية :
يرى أصحاب هذه النظرية أن سبب انحطاط الأمبراطورية الرومانية هو القضاء على خير العناصر في الحروب لأهلية والخارجية .
ويرى بعض هؤلاء الباحثين أن امتزاج دم الطبقات الدنيا بدم الطبقات العليا في المجتمع الروماني قد دنس الطبقات الأخيرة هذه .
ويرى فريق ثالث من الباحثين أن الطبقات العليا لا تدنس ولا يقضى عليها وإنما تنتحر بعدم التوالد ، بينما الطبقات الدنيا تتكاثر بدون قيود .
5- النظرية الاقتصادية :
يرى أصحابها أن أسباب سقوط الإمبراطورية الرومانية هي :
1- ركود التجارة ، وانخفاض الإنتاج الزراعي والصناعي وندرة الذهب والفضة في القسم الغربي من الإمبراطورية الرومانية .
2- ذلك لأن السلطات الرومانية كانت تمنع أفراد الطبقات العليا من العمل بالصناعة والتجارة ، لأن العمل من مهمات العبيد ولا يليق بالأسياد ، وهؤلاء العبيد أصبحوا قلائل بسبب توقف الفتوحات مما أدى إلى ركود التجارة و انخفاض الإنتاج الزراعي والصناعي .
3- إن تحوّل الذهب من الغرب إلى الشرق لشراء السلع الكمالية كالحرير والتوابل كان السبب في الانهيار الاقتصادي الذي أصاب الإمبراطورية وبالتالي أدى إلى سقوطها ، وسرعان ما لحق الاقتصاد بالذهب ليصبح اقتصاداَ بدائياً يعتمد على المقايضة ، بعد أن كان اقتصاداً نقدياًََ يعتمد على رأس المال .
6- نظريات أخرى :
1- هناك نظريات أخرى حيث يرى الباحث " دوسن" أن الجيش الروماني كان يتألف من المواطنين الرومانيين ثم أصبح يتألف من المرتزقة بقيادة ضباط أو قواد أنصاف سياسيين وأنصاف عسكريين مغامرين .
2- ويرى بعض الباحثين أن أسباب سقوط الإمبراطورية الرومانية هو عدم إعطاء الجماهير نصيباً في الحكم .
3- و يرى البعض الآخر أن الانحلال الأخلاقي كان سبباً في تدهور الأمبراطورية الرومانية و سقوطها.
تعليقات
إرسال تعليق