التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حروب الفرنجة المحاضرة الثالثة


المحاضرة الثالثة
إمارة أنطاكية الصليبية ( 491 – 666 هـ / 1098 – 1268  م )

أولاً – احتلال أنطاكية :
غادر الصليبيون "مرعش" ( سنة 490 هـ / 1097  م ) واستمروا في سيرهم حتى وصلوا إلى مدينة "إنطاكية" بقيادة "بوهيموند"، وكانت "إنطاكية" مدينة حصينة أحاطت بها الجبال من الجنوب والشرق، ومجرى نهر العاصي من الغرب ، و أحاطت بها من الشمال المستنقعات و الأحراش ، بالإضافة إلى قلعتها الحصينة ، وكان يحكمها " ياغي سيان" أحد رجال " ملك شاه" من ( سنة 480 هـ / 1087  م ) وظل يحكمها حتى سقوطها بيد الصليبين ( سنة 491 هـ / 1098  م ) . 

و وقف " ياغي سيان " إلى جانب " رضوان بن تتش" ضد أخيه " دقاق بن تتش" ، ثم انضم " ياغي سيان" إلى جانب " دقاق بن تتش"، وكانت غالبية أهل "إنطاكية" في ذلك الوقت من السريان والأرمن . 

و عندما علم " ياغي سيان" بقدوم الصليبين حصن مدينته بشكل جيد .
حاصر الصليبيون "إنطاكية تسعة أشهر ، و البعض يرى أن الحصار كان سبعة أشهر .
أرسل " ياغي سيان" ابنه " شمس الدولة " إلى " دقاق" ملك" دمشق" ، و"جناح الدولة" أمير"حمص"، و" كربوغا" أتابك "الموصل" ، وسلطان "سلاجقة فارس"، والخليفة العباسي لطلب المساعدة 

عندما حصار "إنطاكية" أخذ الصليبيون يهاجمون المناطق القربة منها لذلك اصطدموا بالقوة الإسلامية التي جاءت لنصرة "إنطاكية" ، وكان على رأس تلك القوة " دقاق" ملك " دمشق" والأمير " خلف بن ملاعب" حاكم "حمص" ، وجرت معركة بين الطرفين عند " البارة" ( سنة 491 هـ / 1097  م ) تفوق فيها المسلمون ، وكان الصليبيون بقيادة " بوهيموند النورماني" و " روبرت" أمير "فلاندرز" . 

وعندما طال حصار " إنطاكية" دون فائدة أخذ بعض الصليبين يفكرون بالهرب ، وقد هرب " بطرس الناسك" و " وليم النجار" أمير " ميلون" ، لكن "تنكرد" عم بهربهم فلاحقهم وأعادهم إلى " بوهيموند"، وكان " بوهيموند" يرغب أن تكون "إنطاكية" له بعد الاستيلاء عليها ، لذلك أعد خطة خبيثة من أجل الحصول على موافقة الصليبين على طلبه ، فقد أعلن أنه سيترك حصار "إنطاكية" ويعد إلى "إيطالية" ، لذلك أسرع جميع الزعماء الصليبيون عدا " ريموند" وتوسلوا إليه كي لا يتركهم أمام " إنطاكية" ،
و وعدوه بتسليم "إنطاكية" إليه فور سقوطها بأيديهم . 

وبعد ذلك مل " بوهيموند" على التخلص من القائد البيزنطي " تاتكيوس" فاتهمه بالتآمر سراً مع الأتراك المسلمين ضد الصليبين ، لذلك هرب عن طريق ميناء "السويدية" إلى جزيرة " قبرص" .
وأثناء حصار "إنطاكية" قام " شاهنشاه بن بدر الجمالي" الوزير في الخلافة الفاطمية بمراسلة الصليبين في " إنطاكية" وعقد معهم تحالفاً على أن تكون "إنطاكية للصليبين ، و"بيت المقدس" للفاطميين . 

ويبدو أن"شاهنشاه" لم يكن مدركاً لطبيعة الحركة الصليبية وأنه تحالف مع الصليبين لأنه رأى الصليبين يهاجمون الأتراك السلاجقة أعداء الدولة الفاطمية ، وبناءٍ على ذلك الاتفاق أرسل " الأفضل بن بدر الجمالي" جيشاً إلى " بيت المقدس" تمكن من الاستيلاء عليه من "الأراتقة" ( سنة 492هـ / 1098  م).
وأرسل الصليبيون إلى"دقاق" و"رضوان" يشعرانهما بالاطمئنان بأنهم لا يطمعون إلاّ باسترداد الأماكن و البلاد لتي كانت تابعة لبيزنطة أي " الرها" و إنطاكية" و " اللاذقية" .
ثم قام "رضوان" ملك "حلب" و" سقمان بن أرتق" صاحب " ديار بكر" وأمير "حماة" وقوات من "حمص" ومن " الأراتقة" في إقليم الجزيرة بحملة لإنقاذ "إنطاكية" ، وتم الاتفاق على أن تهاجم تلك القوات الصليبين في لوقت الذي يخرج " ياغي سيان" من المدينة لمهاجمة الصليبين  أيضاً .
وقد وصلت تلك الخطة إلى الصليبين عن طريق الأرمن و السريان وتجمعت القوات الإسلامية عند "حارم" – قرب إنطاكية – و انتصر الصليبيون على القوات الإسلامية و أخذوا منهم حارم أيضاً . 

وعندما خرج " ياغي سيان" من المدينة تصدى له الصليبيون وقاوموه فعاد إلى داخل المدينة .
بعد ذلك استنجد "ياغي سيان" بسلطان سلاجقة فارس " بركياروك" ( بركياروق ) وتابعه " كربوغا" أتابك " الموصل" ، وفي تلك الأثناء أحكم الصليبيون الحصار على " إنطاكية" وتواطأ أحد حراس الأبراج وهو من أصل أرمني ويدعى "فيروز" فراسل "بوهيموند" ن طريق بعض الأرمن و وعدوه بتسليم البرج إن أمنه و أعطاه إقطاعاً فوافق "بوهيموند" على ذلك . 

زحف " بوهيموند" في الليل على البرج وتسلمه و دخل الصليبين منه إلى المدينة وسيطروا عليها ( سنة 492 هـ / 1098  م ) ما عدا القلعة التي بقيت بيد "شمس الدولة ياغي سيان"، وبعد ذلك وصلت القوات الإسلامية التي كان يقودها " كربوغا" و"دقاق" و"أرسلان تاش" صاحب " سنجار" و" سقمان بن أرتق" و"جناح الدولة حسين" صاحب "حمص" ، وحاصروا الصليبين في " إنطاكية" لذلك استنجد الصليبيون بالإمبراطور البيزنطي ، وفعلاً قدم لمساعدتهم إلاّ أنه علم في الطريق بسيطرة السلاجقة على "إنطاكية" لذلك عاد من حيث آتى . 

أخذ الصليبيون يخرجون من المدينة على شكل جماعات صغيرة فطلب المسلمون من "كربوغا" مهاجمة الصليبين قبل أن يتجمعوا ، إلاّ أن " كربوغا" طلب من أتباعه أن يتمهلوا حتى يكتمل خروجهم فيقتلونهم جميعاً ، ولما اكتمل خروج الصليبين من "إنطاكية" هاجموا المسلمين وهزموهم ، فعاد " كربوغا" إلى " الموصل" خائباً ، وسلم " أحمد بن مروان" – قائد قلعة "إنطاكية" نيابة عن " شمس الدولة بن ياغي سيان" – القلعة إلى الصليبين ، الذين أنزلوه في دار بـ"إنطاكية" وتركوا أتباعه يذهبون إلى " حلب" بعد أن قتل الأرمن عدداً منهم . 

وبعد استيلاء الصليبين على " إنطاكية" ظل النزاع قائماً بين " بوهيموند" و"ريموند الصنجيلي" على امتلاك "إنطاكية" ، وصارت "إنطاكية" مقسمة بينهما ، فاحتل "بوهيموند" الأجزاء الشمالية و الشرقية والوسطى من المدينة بما فيها القلعة ، بينما  احتل "ريموند" القطاع الجنوبي ، ويبدو أن الصليبين أرادوا الخروج من هذه الأزمة بتسليم "إنطاكية" للإمبراطور البيزنطي لذلك أرسلوا إليه بشأن ذلك و اشترطوا عليه أنه مقابل تسليمه " إنطاكية" يجب عليه الزحف معهم إلى "القدس" ولكن لم يرد الإمبراطور عليهم في البداية ثم طلب منهم أن ينتظروه حتى شهر محدد . 

وفي نفس الوقت الذي وافق فيه الإمبراطور البيزنطي على طلب الصليبين عقد اتفاقاً سرياً مع الفاطميين في "مصر" ضد الصليبين ، وعرف مضمون ذلك الاتفاق بعد أن وقعت رسالة بهذا المعنى موجهة من الإمبراطور البيزنطي إلى "الوزير الأفضل" صاحب " مصر" في أيدي الصليبين . 

بعد راسل الصليبيون البابا " أوربان الثاني" وأخبروه بوفاة " أدهمار" وطلبوا منه الحضور شخصياً لزيارة كنيسة القديس "بطرس" في "إنطاكية" إلا أن البابا لم يتمكن من الحضور لذلك اشتد الخلاف بين " بوهيموند" و" ريموند" .
تمّ حل الخلاف بين "بوهيموند" و"ريموند" بعد أن سيطر الصليبيون على "معرة النعمان" حيث خرج "ريموند" من "معرة النعمان" ( سنة 492 هـ / 1099  م ) على رأس جيوشه معلناً الزحف إلى " بيت المقدس" وتبعه بقية الصليبين عدا " بوهيموند" الذي اختار البقاء في "إنطاكية" . 
بعد ذلك تحركت الحملة الصليبية الأولى نحو " بيت المقدس" .   

ثانياً – إمارة إنطاكية في عهد بوهيموند النورماندي (491 -  498هـ /  1098 - 1104م ) :
إذا كان "بوهيموند " قد تخلص من مشكلة "إنطاكية" بابتعاد "ريموند الصنجيلي" عنها ، إلاّ أنه وقع في مشكلة "اللاذقية" ، فقد استولى أحد القراصنة ويدعى "ونمار البوليوني" على "اللاذقية" من "الأتراك" ( السلاجقة) (سنة 491هـ / 1098  م ) ، وبعد ذلك انتزعها منه البحارة الانكليز بزعامة "إدجارإثلنج". وفي (سنة 491هـ / 1098  م ) استولى عليها " ريموند الصنجيلي ) وسلمها للبيزنطيين .  

وقد أحسن " بوهيموند" أن ذلك خطراً على إمارة " إنطاكية" حيث لم يعد بإمكانه التوسع لذلك حاصر "بوهيموند" " اللاذقية" بمساعدة الأسطول البيزي (بيزة) ( سنة 493 هـ / 1099  م ) وأثناء الحصار عاد " ريموند" من " بيت المقدس" بعد فتحه إلى "اللاذقية" وأرسل إنذاراً إلى "بوهيموند" ، لذلك رفع "بوهيموند" الحصار وعاد إلى "إنطاكية" ودخل "ريموند" إلى "اللاذقية" . 

وبعد عودة "بوهيموند" من الحج أخذ يفكر في توسيع إمارته فهاجم قلعة "أفاميا" على نهر العاصي وخرب زرعها ، ولكنه فشل في الاستيلاء على "أفاميا"   . 
كما قام "بوهيموند" بمهاجمة سلاجقة "حلب" ، واستمر "بوهيموند" بمحاولاته ضد "حلب" فعسكر أواخر ( سنة 494 هـ / 1100  م ) على ضفاف " نهر قويق" ، كما عمل " بوهيموند" على استرداد "مرعش" من البيزنطيين لكنه لم يتمكن من ذلك ، وعندما علم أهل "ملطية" الأرمن بوجود "بوهيموند" بالقرب منهم استنجدوا به ضد الأتراك المسلمين ، ولذلك عندما عاد " غازي كمشتكين بن الدانشمند" إلى مهاجمة "ملطية"( سنة 494 هـ / 1100م ) استنجد "جبريل " حاكم "ملطية" بـ"بوهيموند" لذلك توجه "بوهيموند" إلى نجدة "ملطية" 

ولكنه وقع في كمين نصبه الأتراك وانتهى الأمر بأسره وذبح رجاله ، وأرسل "بوهيموند" رسالة سرية إلى "بلدوين دي بولليون" حاكم "الرها" يستنجد به لفك أسره ، فخرج "بلدوين" على رأس قواته إلى "ملطية" وقبل وصوله غادرها " غازي كمشتكين" وسجن " بوهيموند" في قلعة " نيكسار" قرب شاطئ البحر الأسود ، واستقبل "بلدوين" في "ملطية" استقبال المحرر وبعد ذلك ترك قوة صغيرة في "ملطية" وعاد إلى "الرها" ، ولم تتوقف  هجمات "غازي" على "ملطية" إلاّ باستيلائه عليها وأسر صاحبها عام ( 497 هـ / 1103  م ) .  

أ-  وصاية "تنكرد" على "إنطاكية" ( 494 – 497 هـ / 1100 – 1103م ) :
قرر الأمراء ورجال الدين استدعاء "تنكرد" من "بيت المقدس" ليقوم بالوصاية على الإمارة أثناء أسر خاله"بوهيموند" ، لذلك ترك "تنكرد" إقطاعه في "الجليل" وذهب إلى "إنطاكية" ( 495هـ/ 1101م ) . 

وعمل "تنكرد" على تنظيم الإدارة وصبغ كنيسة "إنطاكية" الصبغة اللاتينية الكاثوليكية ثم قام بتوسيع حدودها على حسا المسلمين و البيزنطيين و لتحقيق ذلك عقد اتفاقاً مع "جنوة" ( 495هـ / 1101م ) منحهم بموجب هذا الاتفاق امتيازات في "إنطاكية" و وعدهم بنصف دخل ميناء "اللاذقية" على الرغم من أن "اللاذقية" كانت بيد بيزنطة وذلك ليحصل على مساعداتهم في الاستيلاء على "اللاذقية" .
    
عمل "تنكرد" على مهاجمة المدن البيزنطية في "كيليكيا" فاستطاع في مدة قصيرة أن يستولي على "المصيصة" و"أذنه" و"طرسوس" وانصرف بعد ذلك لحصار "اللاذقية فتمكن من اعتقال"ريموند الصنجيلي" وحبسه في قلع "إنطاكية" ولم يطلق سراحه حتى أقسم بأن يتخلى عن كل مطالبه وإدعاءاته في شمال الشام ( 496هـ/ 1102م ) . 

خرج "ريموند" من سجنه إلى "طرسوس" وذهب إلى "اللاذقية" حيث أمر رجاله بالانسحاب ومرافقته لتحقيق مشروعه الخاص بتأسيس إمارة لنفسه في "طرابلس" وتمكن "تنكرد" بمساعدة "الجنوية" من الاستيلاء على "اللاذقية" أوائل ( سنة 497هـ / 1103م ) . 

نتيجة أسر "بوهيموند" تشجع صاحب "حلب" "رضوان السلجوقي" واسترد مزارع الغلال المجاورة ، كما قام أمير "حمص" "جناح الدولة" باسترداد قلعة "أسفونا" .  
كما قام "تنكرد" بالاستيلاء على الجزء الأوسط من حوض نهر العاصي من سلاجقة "حلب" و أتباعهم . 

إن موقف السلاجقة المتسم بالجمود تجاه الصليبين في أواخر القرن الخامس الهجري و أوائل القرن السادس الهجري / القرن الحادي عشر الميلادي ، كان سببه النزاع الداخلي بين زعماءهم و قادتهم .

ب-  عودة "بوهيموند" إلى حكم "إنطاكية" :
 أرادت " بيزنطة" الحصول على "بوهيموند" الأسير للانتقام من "تنكرد" الذي استولى على المدن البيزنطية في "كيليكيا" كما قام " بلدوين دي بورغ" و بطريرك "إنطاكية" بمفاوضات مع "غازي الدانشمند" لإطلاق سراح "بوهيموند" ، وقد نبّه "بوهيموند" الأمير " غازي" أن "بيزنطة" هي عدوة الطرفين لذلك يجب عدم تسليمه لها ، ومن الأفضل أن يطلق سراحه مقابل أن يحالفه ضد أعدائه و أن يدفع مئة ألف دينار ، وبناءً على ذلك أطلق سراح " بوهيموند" ،

 واشترك في دفع الفدية الصليبيون في "الرها " و"إنطاكية" و"الأرمن" في إقليم "جبال طوروس" و أتباع "بوهيموند" في "صقلية" .
وهكذا عاد"بوهيموند" إلى إمارته بعد غياب ثلاث سنوات و اقطع "تنكرد" إقطاعاً صغيراً في الإمارة . 

وبعد عودة "بوهيموند" إلى "إنطاكية" ، طالب الإمبراطور البيزنطي بـ"إنطاكية" وأرسل حملة كبيرة لاحتلال "طرسوس" و"أذنه" و"المصيصة" ، ولم توفق الحملة في مهمتها بسبب موقف الأرمن في تلك البلاد لذلك توجه قائد الحملة إلى "مرعش" ومنها عاد إلى "القسطنطينية" . 

وبعد ذلك زحف "بوهيموند" و"جوسلين دي كورتناي" على "مرعش" و استولى "جوسلين"عليها (سنة 497هـ / 1103م ) واستولى "بوهيموند" على مدينة " الأبلستين " ( ألبستان) شمال " مرعش" . 

وقام "بوهيموند" بمحاربة المسلمين فهاجم البلدان التابعة لسلاجقة "حلب" ، كما فرض الجزية على "قنسرين" وما جاورها ، كما قام الصليبيون في"الرها" و"إنطاكية" بحملة مشتركة وهاجموا "المسلمية" على "نهر قويق" شمال"حلب" .
وكذلك قام الصليبيون في "الرها" بالاستيلاء على قلعة "بسرفوة" التي كانت تتحكم بالطريق بين"حلب" و"إنطاكية" . 

كما قام أمير"الرها" بحملته الشهيرة على "حران"( سنة 498هـ/ 1104م ) وساعده "بوهيموند" و"تنكرد"، وما يهمنا هنا هو نتائج موقعة "حران" على إمارة "إنطاكية" فقد أوقفت هذه المعركة تقدم الصليبين وتوسعهم نحو الشرق ، كما أتاحت لــ"رضوان" ملك "حلب" أن يثأر لنفسه من نورمان "إنطاكية" . 

وقام أمير "رفنيه" أو ( بعرين ) بمهاجمة القلاع الصليبية القريبة و استرد " صوران" ، كما انسحبت الحاميات الصليبية الموجودة في "البارة" و"معرة النعمان" و"كفرطاب" و"لطمين" ولاذت بالفرار إلى "إنطاكية" ، كما استرد "رضوان" قلعة "أرتاح" ذات الموقع الاستراتيجي الهام بالنسبة لــ"إنطاكية" .  

واسترد الإمبراطور البيزنطي "ألكسيوس كومنين" مدن إقليم "كيليكيا" (أذنه والمصيصة و طرسوس) ، واستولى على معظم "اللاذقية" من "اللاتين" .
أراد"بوهيموند"الانتقام من"بيزنطة" لذلك ذهب إلى الغرب الأوربي في أواخر(سنة 498هـ/ 1104م) ،  فذهب إلى "إيطاليا" ومعه البطريرك "دايمبرت" ليثير الرأي العام ضد " بيزنطة" .  

وأخيراً عاد "بوهيموند" أواخر ( عام 500هـ/  1106م) ومعه جموع غفيرة من الصليبين من مختلف الجنسيات الأوربية( فرنسيين – إيطاليين – أسبان – إنكليز- ألمان ) وأرادوا مهاجمة "بيزنطة" ، فاختار "بوهيموند" أن يهاجم مدينة "دورازو" البيزنطية عند مدخل "البحر الأدرياتيكي" 

وتم حصارها ( عام 501هـ/1107م) ولكن خضع"بوهيموند" لشروط الإمبراطورالبيزنطي بموجب صلح"دفول"(502هـ/ 1108م) ، فقد تعهد "بوهيموند" بأن يصبح تابعاً أميناً لـ " ألكسيوس كومنين" وخلفائه وأن يعيد لبيزنطة كل أراضيها القديمة ، وعزل البطريرك الكاثوليكي في "إنطاكية" تعيين بطريرك أرثوذوكسي مكانه ،
وتعهد "بوهيموند" بمحاربة "تنكرد" إن رفض قبول بنود هذه الاتفاقية .   
فبعد استسلام "بوهيموند" الفاضح لم يستطع العودة إلى إمارته في الشام (إنطاكية) ، لذلك ذهب إلى "إيطاليا" حيث قضى حياته محتجباً (متوارياً) عن الأنظار إلى أن مات ( عام 505هـ/ 1111م ) .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فن العمارة الإسلامية في العصر الأيوبي في مصر وبلاد الشام

العمارة الأيوبية في مصر وبلاد الشام اعتنى الأيوبيون ببناء المساجد والمدارس و الخانقاهات ، كما اهتموا ببناء القلاع و تحصين المدن بالأسوار و الأبراج الدفاعية ، بسبب حالة الحرب بينهم وبين الصليبين ، ويمكننا اعتبار فن التحصين في العمارة الأيوبية نهاية مراحل التطور في هذا المجال إذ لم يظهر أي تجديد ملحوظ في العهود اللاحقة ، فالمنشآت الأيوبية العسكرية نموذج لأرقى ما وصل إليه هذا الفن على المستوى العالمي ، وليس على نطاق الحضارة الإسلامية   فقط ، يمكننا أن نوجز أهم خصائص العمارة الأيوبية في ما يلي : 1-    التقشف وعدم الإسراف في الزخرفة ، بسبب الحرب مع الصليبين 0 2-    القوة وإتقان التخطيط والبناء ، ودقة النسب ، مع ضخامة المنشآت بالنسبة للعصور السابقة 0 3-    الاعتماد على الحجر المنحوت بأبعاد كبيرة كمادة أساسية في الواجهات و الأعمدة وتيجانها ، وأحياناً في القباب والأقبية 0 4-    ظهورالأروقة بالإضافة إلى الأواوين في المدارس وخاصة في حلب ، وهذا تطور جديد لم يستعمل من قبل . 5-    اعتماد التسقيف على القباب لدر...

فن العمارة الإسلامية في العصر المملوكي والعثماني

العمارة في العصر المملوكي والعثماني أولاً – العمارة في العصر المملوكي : ظهرت في هذا العصر في القاهرة منشأت معمارية ضخمة ، هي أشبه بالمجمعات التي تمتاز بمساحتها الكبيرة وارتفاعاتها الشاهقة ، وتتألف غالباً من مدرسة وتربة وبيمارستان ، وتضم أحياناً سبيلاً وكتاباً أيضا ، ونذكر منها على سبيل المثال :  مجموعة السلطان قلاوون ،  مدرسة وخانقاه الأشرف برسباي ،  مدرسة ومسجد قايتباي ،    بينما لم   تشيد في بلاد الشام أبنية ضخمة ، بل كانت منشأت هذا العصر ، أصغر من منشأت العصور السابقة ، وسنقصر حديثنا على منشأت العصر المملوكي في بلاد الشام  تميزت منشأت هذا العصر في بلاد الشام بما يلي : 1- استمر الشكل التقليدي للمسجد : صحن جنوبيه القبلية وتحيط به أروقة من الشرق والغرب والشمال في معظم المساجد التي أنشئت في حلب وكذلك المدارس ، إذ صارت المدارس تستعمل كمساجد أيضا في هذا العصر ، أما في دمشق فقد ألغي الصحن في بعض المساجد والمدارس وسقفت في بعضها الآخر . 2- تفتح أبواب المنشآت ضمن إيوان سقفه في معظمها نصف ...

تاريخ أوربا في العصور الوسطى المحاضرة الأولى

تاريخ أوربة في العصور الوسطى المحاضرة الأولى          - يطلق اصطلاح العصور الوسطى على الفترة الزمنية التي تمتد من القرن الرابع الميلادي إلى القرن السادس عشر الميلادي . واختلف المؤرخين حول تحديد بداية العصورالوسطى ونهايتها، فبعضهم يرى أن بداية العصورالوسطى (سنة 476 م) وهو تاريخ سقوط "روما" بأيدي "البرابرة الجرمان" والبعض من يعتبر العصورالوسطى ( سنة 330 م ) وهو تاريخ بناء مدينة " القسطنطينية" ، والبعض أيضاً يعتبر ( سنة 395 م ) بداية العصورالوسطى وفي هذا التاريخ انقسمت فيه الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين شرقي وغربي ، والبعض الآخر من يحدد بداية العصور الوسطى مع انتشار " المسيحية" ، والبعض الآخر يعتبر فترة "الغارات البربرية" و تشكل " الممالك الجرمانية " هو بداية العصور الوسطى . أما نهاية العصور الوسطى فيحددها البعض بـ( سنة 1453 م ) وهو تاريخ سقوط بيزنطة بأيدي الأتراك العثمانيين . وأيضاً يحدد البعض نهاية العصور الوسطى ب( سنة 1492 م ) تاريخ اكتشاف"أمريكا" ، والبعض من يحدد نهاية العصور الوسطى في ...